للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دعواه بين رحلة وتعريس (١)، كم بين ثغاء بقر الفلاة وزئير ليث الفريس (٢)، كما أنى أعلم قطعا وأقطع علما، وأحكم قضاء وأقضى حكما، أنه لو نظر إلى قصيدتك الرائعة، وفريدتك الحالية الفائقة، المعارضة بها قصيدته، المنتسخة بها فريدته لذهب عرضا وطولا، ثم اعتقد لك اليد الطّولى، وأقرّ فارتفع النزاع، وذهبت له تلك الغايات والأطماع، ونسى كلمته اللؤلؤية، ورجع عن دعواه الأدبية، واستغفر ربّه من الإلهية».

ويبدو أن أبا القاسم الحسنى الشريف نظم قصيدته معارضة لقصيدة بديعة لصفوان بن إدريس الذى شهد له أقرانه ومعاصروه الأندلسيون بالبراعة الشعرية الفائقة، وسموا قصيدته القصيدة اللؤلؤية، ولعله أرسل بها مع قصيدته المعارضة إلى ابن هاني السبتى ليشهد له بتفوقه. وهو يستهل رسالته لأبى القاسم بأن قصيدته تأخذ بمجامع القلوب، ويشيد ببلاعته وأنه واحد حلبة البيان، والسابق يوم الرهان، إذ هو الأرسخ قدما مما يجعل صفوان بن إدريس السابق الأقدم يشهد له بروعة بلاغته. وينوه ابن هاني بفصاحة ألفاظه وبراعة معانيه، ويقول أين بيان صفوان بن إدريس من بيانك، ويبالغ فى ذلك قائلا إن بيانه كثغاء أو صياح بقر الفلاة بينما بيانك كزئير الأسد وهو ينهش فريسته. وزعم له أن صفوان لو استمع إلى قصيدته البارعة وفريدته التى عارضه بها لنسخت قصيدته كما تنسخ الريح آثار الديار ولأقرّ لك بالبراعة الشعرية وأن قصيدتك تفوق قصيدته اللؤلؤية، واستغفر ربه من دعواه.

وكان ابن الخطيب أديب غرناطة المشهور فى القرن الثامن الهجرى يكاتب أدباء المغرب الأقصى المشهورين ويساجلهم بالشعر تارة، وبالرسائل تارة أخرى، وممن أرسل إليهم إحدى رسائله ليساجله أبو جعفر الجنّان المكناسى محاولا أن يحرّك قريحته الأدبية، فرد عليه برسالة استهلها بثلاثة أبيات مشيدا فيها ببيانه، وفيها يقول منوّها برسالته إليه (٣):

«جلوت علىّ من بنات فكرك عقائل نواهد، وأقمت بها على معارفك الجمّة دلائل وشواهد، واقتنصت بشوارد بديهتك من المعالى أوابد شوارد، وفجّرت من بلاغتك وبراعتك حياضا عذبة الموارد، ثم كلفتنى من إجراء ظالعى فى ميدان ضليعها (٤)، مقابلة الشمس النيّرة بالسّراج عند طلوعها، فأخلدت (٥) إخلاد مهيض الجناح، وفررت فرار الأعزل عن شاكى (٦) السلاح، وعلمت أننى إن أخذت نفسى بالمقابلة، وأدليت دلو قريحتى للمساجلة، كنت كمن كلّف الأيام رجوع أمسها، أو طلب ممن علته السماء محاولة لمسها. . ثم إن أمرك-يا سيدى-


(١) تعريس: إقامة.
(٢) الفريس: ما يفترس من الحيوانات.
(٣) النبوغ المغربى ٢/ ١٥٥.
(٤) الظالع: الأعرج. الضليع: القوى المتين.
(٥) أخلد: سكن وفكر.
(٦) شاكى السلاح: كامل السلاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>