القاضى عياض جده عمرون، وكان موسرا، فاشترى بها أرضا وهى المعروفة باسم المنارة وبنى بها مسجدا وديارا وقفها على المسجد، ووقف بقيتها مقبرة للدفن، وولد له ابنه عياض، وولد لعياض ابنه موسى وولد لموسى ابنه عياض سنة ٤٧٦ هـ/١٠٨٣ م ونشأ طالبا للعلم حريصا عليه مجتهدا فيه-كما يقول ابنه-معظما عند شيوخه لما لاحظوا من ذكائه وإكبابه على الدرس إلى أن برع فى زمانه، وتفوق على أقرانه، وكان من حفاظ القرآن الكريم، لا يترك تلاوته والقيام على معانيه وإعرابه وشواهده وأحكامه كما يقول ابنه، وكان-كما يقول-من أئمة زمنه فى الحديث وفقهه وغريبه ومشكله ومختلفه حاذقا بتخريجه، كما كان فقيها حافظا لمسائل مدوّنة سحنون ومختصر ابن أبى زبد القيروانى، وكان نحويا ريّانا من الأدب شاعرا مجيدا من أكتب أهل زمانه خطيبا مفوّها، مقداما على الأمراء فى استقضاء حوائج الرعية عندهم، محبّبا فى قلوب العامة والخاصة. ويضيف ابنه أنه أخذ عن أشياخ بلده، ثم رحل إلى قرطبة بالأندلس سنة ٥٠٧ للهجرة، وأخذ عن شيوخها، وخرج إلى مرسية فى أوائل سنة ٥٠٨ ولزم الحافظ الحسين بن محمد الصدفى فترة، وأجازته جماعة كثيرة من أعلام (١) الأندلس وتونس ومصر والحجاز. وولى القضاء فى بلدته سبتة سنة ٥١٥ للهجرة ونقل إلى غرناطة قاضيا بها سنة ٥٣١ هـ/١١٣٦ م وصرف عنها سنة ٥٣٢ وعاد إلى قضاء سبتة سنة ٥٣٩ هـ/١١٤٤ م. وفى بدء دولة الموحدين غزا عبد المؤمن سبتة فردّ جيشه أهل سبتة ومعهم القاضى عياض، ولما قتل تاشفين وقضى الموحدون على دولة المرابطين وفتحوا مدينتى فاس وتلمسان بايع أهل سبتة عبد المؤمن، ولقيه القاضى عياض فى مدينة سلا وهو يستعد لفتح مراكش فأجزل صلته، ولما انتفضت الأندلس على عبد المؤمن بسبب ثورة محمد ابن هود ثارت سبتة-برأى القاضى عياض كما قيل-وحاربها عبد المؤمن وعادت إلى الطاعة، واستدعى عبد المؤمن القاضى عياضا، فأخذ من سبتة إلى مراكش مغلولا سنة ٥٤٢ للهجرة حتى إذا اجتمع بعبد المؤمن فى مراكش واستعطفه ببعض منظومه ومنثوره عفا عنه على أبرّ وجه وأكمله، وأمره بلزوم مجلسه، كما يقول ابنه، ومنزلته عنده تزداد كل يوم سموا ورفعة إلى أن توفى بمراكش سنة ٥٤٤ هـ/١١٤٩ م. وكتب ابنه محمد فصلا عن مؤلفاته وأهمها: كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى صلّى الله عليه وسلم ودوت شهرة هذا الكتاب فى العالم الإسلامى إلى اليوم، وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك فى خمسة أسفار، وكتاب إكمال المعلم على صحيح مسلم، وهو زيادة فى الشرح على شرح المعلم بفوائد مسلم للإمام المالكى الصقلّى محمد المازرى دفين المنستير بتونس إلى غير ذلك من كتب نفيسة من أهمها كتاب له فى النقد والبلاغة سماه «بغية الرائد» كتب عنه الأستاذ محمد بن تاويت فصلا فى ترجمته
(١) راجع فى هؤلاء الشيوخ كتاب ابنه السابق ص ١١٩ وما بعدها والجزء الثانى من أزهار الرياض فى مواضع متعددة.