للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالجزء الأول من كتابه الوافى بالأدب فى المغرب الأقصى وهو يعرض فيه بعض صور النقد والمحسنات البديعية من مثل الجناس والطباق والترصيع. وكان له كتاب خطب ومواعظ دينية، وهو مفقود، وفى أزهار الرياض عن ابن خاتمة أن هذا الكتاب يشتمل على خمسين خطبة من خطب الجمعات، وروى له ابنه فى التعريف به خطبتين، يقول فى إحداهما حاضا على التقوى:

«أيها السامع قد أيقظك صرف (١) القدر من سنة (٢) الهوى وسكراته، ووعظك كتاب الله بزواجره وعظاته، فتأمّل حدوده وتدبر محكم آياته {وَاُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٣)} أين الذين عتوا على الله وتعظموا، واستطالوا (٤) على عباده وتحكموا، وظنوا أن لن يقدر عليهم حتى اصطلموا (٥)، {وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً} غرّهم الأمل وكواذب الظنون، وذهلوا عن طوارق الغير (٦) وريب المنون {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ} {حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} فهذّبوا-رحمكم الله-سرائركم بتقوى الله وأخلصوا واشكروا نعمته {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها} واحذروا نقمته ولا تعصوا واعتبروا بوعيده {قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا، فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اِهْتَدى} وأنهضوا لطاعته هذه الهمم العاجزة، واركضوا فى ميدان التقوى تحوزوا قصب خصله (٧) الفائزة، وادّخروا ما يخلّصكم يوم المحاسبة والمناجزة، وانتظروا قوله: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} ذلك يوم تذهل فيه الألباب وترجف القلوب رجفا، وتبدّل الأرض وتنسف الجبال نسفا ولا يقبل الله فيه من الظالمين عدلا ولا حرفا وحشر المجرمون يومئذ زرقا {وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا} فرادى {كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً} إن أحسن الهدى هدى محمد نبيّنا وأصحابه، وأفضل الذكر ذكر الله وتلاوة كتابه، جعلنا الله وإياكم ممن اهتدى بهديه، وتأدّب بآدابه ومن الذين قالوا: {سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً} اللهم انفعنا بالكتاب والحكمة، وارحمنا بالهداية والعصمة وأوزعنا (٨) شكر ما أوليت من نعمة {رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً}.

والعظة رائعة بما فيها من دعوة للتقوى وتحذير من وعيد الله ونقمته، ومن غرور بالأمانى


(١) صرف: أحداث.
(٢) سنة: غفلة.
(٣) ملتحدا: ملجأ.
(٤) استطالوا: تطاولوا واعتدوا.
(٥) اصطلموا: استأصلوا.
(٦) الغير: الأحداث.
(٧) خصله: فضله.
(٨) أوزعنا: ألهمنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>