للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقذع، فانصرف النعمان عن الربيع وأجزل فى إكرامه للعامريين. وسواء أصحّ هذا الخبر أو لم يصح فإن لبيدا أخذ منذ سال الشعر على لسانه ينظمه فى الفخر بعشيرته والاعتداد بها اعتدادا بالغا. ويقال إنه كان يكتمه فى أول الأمر. حتى إذا نظم معلقته: «عفت الديار محلّها فمقامها» أخذ يظهره، وأخذ اسمه يطير فى القبائل. ولما سارت الركبان بأمر الرسول فى المدينة ورسالته النبوية أرسله عمه أبو براء برسالة إليه (١)، فوقع الإيمان فى قلبه، إلا أنه لم يعلن إسلامه حينئذ. وعاد إلى قبيلته، حتى إذا استدار العام خرج مع وفد منها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعلنوا دخولهم فى دين الله. وكان ابن عمه عامر بن الطفيل وأخوه أربد وفدا على الرسول قبل ذلك يريدان به شرّا فعصمه الله. ودعا عليهما، فلم يلبث عامر أن أصابه طاعون فى عنقه فقتله، أما أربد فنزلت عليه صاعقة من السماء أهلكته، وظل لبيد بعد إسلامه يبكيه بكاء حارّا.

ورجع لبيد بعد إعلانه إسلامه إلى قبيلته يذكر لهم البعث والجنة والنار ويقرأ لهم القرآن، وما زال بينهم حتى خطّ عمر الكوفة فنزلها وأقام بها إلى أن توفّاه الله فى صدر خلافة معاوية سنة أربعين للهجرة. ويقول الرواة إنه شغل نفسه حينئذ بالقرآن وتلاوته ولم ينظم الشعر إلا قليلا، ويصوّرون ذلك فيقولون إن عمر أرسل إلى المغيرة بن شعبة واليه على الكوفة: أن استنشد من قبلك من شعراء مصرك ما قالوا فى الإسلام، فلما سأل لبيدا عن شعره انطلق فكتب سورة البقرة فى صحيفة؛ ثم أتاه بها. وقال: أبدلنى الله هذه فى الإسلام مكان الشعر، فكتب المغيرة بذلك إلى عمر، فأمر أن يزيد عطاءه خمسمائة وكان ألفين.

ويمضى الرواة فيزعمون إنه لم يقل فى الإسلام إلا بيتا واحدا ويختلفون فيه (٢)، فمن قائل هو قوله:

الحمد لله إذ لم يأتنى أجلى ... حتى كسانى من الإسلام سر بالا


(١) أغانى (طبعة الساسى) ١٥/ ١٣١.
(٢) الشعر والشعراء ١/ ٢٣٢ والأغانى (طبعة دار الكتب) ١٥/ ٣٦٩ وانظر الاستيعاب ص ٢٣٥ حيث يذكر بيتا ثالثا.

<<  <  ج: ص:  >  >>