للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن قائل، بل هو قوله:

ما عاتب المرء الكريم كنفسه ... والمرء يصلحه الجليس الصالح

والحق أن له أشعارا كثيرة تفيض بمعانى الإسلام ومثاليته الروحية، بحيث يمكن أن نقسم شعره قسمين: قسما جاهليّا وقسما إسلاميّا.

وهو فى القسم الجاهلى لا يخرج إلى مديح أو هجاء، بل يمضى مفاخرا فخرا عنيفا بآبائه وفتوته معتدّا اعتدادا لا حدّ له بالأقربين من أسرته، ومن ثمّ وقف مع ابن عمه عامر بن الطفيل ضد علقمة بن علاثة حين تفاخرا إلى هرم بن قطبة الفزارى (١) واقرأ فيه فستجده دائما فى هذا القسم مفاخرا بقومه وشجاعتهم وبلائهم فى الحروب وما لهم من مناقب جليلة حتى إذا أفضى إلى نفسه تحدث عن شمائله وتجشّمه لسرى الليل بأصحابه وفتوته وكيف يسقى الخمر لداته، وكيف يقامر ليطعم الجائع المحروم. وكثيرا ما يهجم فى قصائده على هذا الفخر، وقد يقدم لذلك بمقدمات، على نحو ما صنع فى معلقته، إذ بدأها بذكر الديار وذكر الأحبة الظاعنين، ثم مضى يصف اقتحامه للصحراء على ناقته، وسرعان ما شبهها بأتان وحشية، استرسل فى الحديث عنها وعن حمار كان يصاحبها ويلاعبها. وخرج من ذلك إلى تشبيهه لها ببقرة وحشية مذعورة لفقد طفلها، ويسترسل فى وصف تعقب الرماة لها وإرسالهم جوارح الكلاب عليها، ويخلص إلى الفخر بكرمه وبسالته ومنادمته لرفاقه. ويفخر بقومه وكثرة سادتهم وما سنّه لهم آباؤهم، يقول:

إنا إذا التقت المجامع لم يزل ... منا لزاز عظيمة جشّامها (٢)

ومقسّم يعطى العشيرة حقّها ... ومغذمر لحقوقها هضّامها (٣)

فضلا، وذو كرم يعين على النّدى ... سمح كسوب رغائب غنّامها


(١) أغانى (ساسى) ١٥/ ٥٢.
(٢) اللزاز: الملازم للشئ، جشامها: من التجشم وهو ركوب الخطر.
(٣) مغذمر لا يعطى. هضام هنا: يعطى قوما ويحرم آخرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>