للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من معشر سنّت لهم آباؤهم ... ولكل قوم سنّة وإمامها

فبنوا لنا بيتا رفيعا سمكه ... فسما إليه كهلها وغلامها

فاقنع بما قسم المليك فإنّما ... قسم الخلائق بيننا علاّمها

وشعره الجاهلى دائما على هذه الوتيرة من الحديث عن مناقب آبائه ومفاخره ووصف راحلته وتشبيهها بالأتان المتوجسة والبقرة المسبوعة أو النعامة الخائفة، وقد يتحدث عن المطر. وهو فى ذلك كله يتميز بالإغراب الشديد فى لفظه، حتى ليمسّ قارئه شئ من الضجر لكثرة ما يورد من أوابد الألفاظ وحوشيّها.

واقرأ ما لم نروه من المعلقة قبل هذه الأبيات التى أنشدناها فإنك ستجده مفرغا فى ألفاظ متناهية فى الإغراب، ومن ثمّ وصف شعره أبو عمرو بن العلاء فقال:

إنه رحى بزر (١)، يريد أنه خشن لا يحسن فى السمع، وقال الأصمعى، شعر لبيد كأنه طيلسان طبرانىّ أى أنه محكم الصنعة ولا رونق له.

وإذا انتقلنا من هذا القسم إلى شعره الإسلامى وجدنا قراءته للقرآن الكريم تهذّب من لفظه وتدخل عليه غير قليل من الطّلاوة، ومن ثمّ يقول فيه ابن سلاّم: «كان عذب المنطق رقيق حواشى الكلام، وكان مسلما رجل صدق» ويتضح ذلك فى مراثيه المشهورة لأخيه أربد، فإن لألفاظها ماء ورونقا وفى معانيها من الإسلام أصداء وظلالا، وارجع إلى عينيته فستجد جمال السبك والصياغة، وستجد الروح الإسلامية ماثلة فى تضاعيف أبياتها على شاكلة قوله (٢):

بلينا وما تبلى النّجوم الطّوالع ... وتبقى الجبال بعدنا والمصانع (٣)

فلا جزع إن فرّق الدهر بيننا ... وكل فتى يوما به الدهر فاجع

وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلّوها، وغدوا بلاقع (٤)


(١) الموشح للمرزبانى ص ٧١.
(٢) الديوان بتحقيق إحسان عباس ص ١٦٨.
(٣) المصانع: الأبنية الضخمة.
(٤) بلاقع: جمع بلقع وهو الأرض القفر. وغدوا: غدا.

<<  <  ج: ص:  >  >>