للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع (١)

وما البرّ إلا مضمرات من التّقى ... وما المال إلا عاريات ودائع

وليس كل ما حدث من انقلاب فى شعره الإسلامى أنه انتقل من الألفاظ الحوشية إلى الديباجة الطلية، فقد تغلغل الإسلام فى ضميره، فاتجه فى أشعاره إلى ربه منيبا إليه، والوجل يملأ نفسه من يوم الحساب الذى ينتظره، يقول فى قصيدة له (٢):

إنما يحفظ التّقى الأبرار ... وإلى الله يستقرّ القرار

وإلى الله ترجعون وعند الل‍ ... هـ ورد الأمور والإصدار

كلّ شئ أحصى كتابا وعلما ... ولديه تجلّت الأسرار

إن يكن فى الحياة خير فقد أن‍ ... ظرت لو كان ينفع الإنظار (٣)

عشت دهرا ولا يدوم على الأيّ‍ ... ام إلا يرمرم وتعار (٤)

فإنك تجده يتحدث عن التقوى والأبرار والعمل الصالح وأن الناس معروضون على الله يوم القيامة وقد أحصى كل شئ فى كتاب وأن الموت حق لا شك فيه وأن على كل إنسان أن يفكر فى مصيره. ويمضى فى طائفة غير قليلة من أشعاره يعظ من حوله بما أهلك الله من الأمم الخالية مخوّفا من الموت ويوم الحساب، وداعيا إلى التقوى والعمل الصالح، ومهونا من الدنيا ومتاعها الزائل ونعيمها الفانى، على نحو ما نرى فى لاميته التى نؤمن بأنه نظمها فى الإسلام، وفيها يقول (٥):

ألا كلّ شئ ما خلا الله باطل ... وكلّ نعيم لا محالة زائل

وكلّ أناس سوف تدخل بينهم ... دويهية تصفرّ منها الأنامل (٦)


(١) يحور: يصير.
(٢) ديوان لبيد ص ٤١ والحيوان ٧/ ١٦٣.
(٣) الإنظار: التأخير.
(٤) يرمرم وتعار: جبلان فى نجد.
(٥) الديوان ص ٢٥٦ والشعر والشعراء ١/ ٢٣٧ والطبرى ٥/ ٢٨.
(٦) يريد بالدويهية الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>