للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو فى البيت الأول يستمد من مثل قوله تعالى: {(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)} ويستمد فى البيت الثانى من مثل قوله جلّ وعز:

{(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ)} أما البيت الثالث فاستمدّه مباشرة من قوله تبارك وتعالى عن الإنسان وما ينتظره من البعث والحساب: {(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ).} واسترسل فى القصيدة يتحدث عن النعمان بن المنذر وملكه وأجناده وكيف بادوا جميعا مما جعل القدماء يظنون أنه نظمها فى رثائه (١) وفى الواقع كان يتحدث عن عظة الموت وكيف يأتى على الملوك والأمم، ومن ثمّ مضى يتحدث عن الغساسنة وأصحاب الرّسّ وكيف أمسى كل ما كانوا فيه أحلاما. وعلى هذا النمط نفسه لامية أخرى يستهلها بقوله (٢):

لله نافلة الأجلّ الأفضل ... وله العلا وأثيث كل مؤثّل (٣)

لا يستطيع الناس محو كتابه ... أنّى وليس قضاؤه بمبدّل

وهو فى هذا المطلع يستلهم الذكر الحكيم وما فيه من أوصاف الذات العلية، وأن كل ما يجرى فى الكون بقضائه وأن كل ما يأتى من عمل فى كتاب مبين، وأن كلا سيجزى بما سجّل عليه كتابه، يقول سبحانه: {(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً)} {(وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً)} {(وَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).}

ويمضى لبيد فى القصيدة فيتحدث عن خلق السموات والأرض وما أصاب بعض العماليق ولقمان ونسره وأبرهة وأمراء المناذرة والغساسنة من ريب الزمان. ومن هذه الشاكلة نفسها موعظته (٤):

من يبسط الله عليه إصبعا ... بالخير والشر بأىّ أولعا (٥)

يملأ له منه ذنوبا مترعا ... وقد أباد إرما وتبّعا (٦)

والحق أن تلاوته للقرآن التى اشتهر بها أثّرت فى نفسه آثارا عميقة. وقد يكون الرواة تزيدوا فى بعض هذه الأشعار ولكن كثرة ما ينسب إليه منها يدل على أن


(١) انظر الديوان ص ٢٥٤.
(٢) الديوان ص ٢٧١.
(٣) أثيث: موطأ عظيم. مؤثل: مؤصل، ويوصف به الملك والمجد.
(٤) الديوان ص ٣٣٧.
(٥) الإصبع: الأثر الحسن
(٦) ذنوبا مترعا: دلوا مملوعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>