بدستور لحكم أمراء الولايات المختلفة وأنه ينبغى أن يقوم على العدل والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وقد أرسلت نسخ منها إلى جميع الولاة. وحين زجّ به عبد المؤمن فى السجن أرسل إليه يستعطفه برسالة مشهورة استهلها بأبيات يسترحمه فيها وتلتها الرسالة على هذه الصورة (١):
«تالله لو أحاطت بى كلّ خطيئة، ولم تنفك نفسى عن الخيرات بطيئة، حتى سخرت بمن فى الوجود، وأنفت لآدم من السجود، وقلت إن الله لم يوح، فى الفلك إلى نوح، وأبرمت لاحتطاب نار الخليل حبلا، وبريت لقدار ثمود نبلا، وحططت عن يونس شجرة اليقطين، وأوقدت مع هامان على الطين، وقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها، وافتريت على العذراء البتول فقذفتها، وكتبت صحيفة القطيعة بدار النّدوة، وظاهرت الأحزاب بالقصوى من العدوة، وأبغضت كل قرشى، وأحببت لأجل وحشىّ كل حبشى، وقلت إن بيعة السقيفة لا توجب إمامة خليفة، وشحذت شفرة غلام المغيرة بن شعبة، واعتلقت من حصار الدار وقتل أشمطها بشعبة، وقلت تقاتلوا رغبة فى الأبيض والأصفر، وسفكوا الدماء على الثّريد الأعفر، وغادرت الوجه من الهامة خضيبا، وناولت من قرع سنّ الحسين قضيبا، ثم كنت بحفرة المعصوم لائذا، وبقبر المهدى-رضى الله عنه عائذا، لقد آن لمقالتى أن تسمع، وأن تغفر لى هذه الخطيئات أجمع، مع أنى مقترف، وبالذنب معترف:
وعفوا أمير المؤمنين فمن لنا ... بردّ قلوب هدّها الخفقان
والسلام على المقام الكريم ورحمة الله وبركاته».
وهو يقول لعبد المؤمن لو أنى سخرت بكل من فى الوجود من خلق الله، واستنكفت لإبليس من سجوده لآدم وأنكرت أن الله أوحى إلى نوح فى فلكه ما أوحى، وأبرمت حبلا للمحتطبين لنار إبراهيم الخليل، وبريت لقدار ثمود عاقر الناقة نبلا، وحططت عن يونس شجرة اليقطين التى أنبتها الله لتظله، وأوقدت مع هامان لفرعون على الطين ليبنى له صرحا حتى يرى ربه كما زعم، ولو أنى السامرى الذى قبض على شئ من دين موسى ثم كفر به ونبذه ودفع بنى إسرائيل لعبادة العجل فى غيبة موسى، وكذبت على السيدة مريم العذراء البتول فقذفتها، وكتبت صحيفة المقاطعة بين قريش وبين الرسول وصحبه قبل هجرته، وظاهرت الأحزاب وعاونتهم فى حصار المدينة، وأبغضت كل قرشى وأحببت لأجل وحشى
(١) انظر فى هذه الرسالة كتاب روض القرطاس لابن أبى زرع (طبع الرباط) ص ١٩٦ وكتاب النبوغ المغربى للأستاذ كنون ٢/ ١٦٦ وراجع ترجمة ابن عطية فى الإحاطة.