يشرّق ثم يذهب فى ناحية الجنوب ثم يبعد فى طيرانه إلى ناحية الشرق وينزل فى أرض مظلمة خضراء ويتركه بها. ويقص حلمه على الشيخ ويطلب إليه تأويله، فقال له: سوف تحج وتزور النبى صلّى الله عليه وسلم وتجول فى بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وبلاد الهند وتظل بها مدة طويلة.
وكان هذا التفسير لحلم ابن بطوطة وما حمله له الشيخ خليفة من السلام إلى إخوة له فى الهند والسند والصين إرهاصا ليصبح رحّالة بل ليصبح أعظم رحالة عرفه العرب فى تاريخهم الوسيط. ونزل القاهرة والفسطاط، ثم أخذ طريقه إلى الحج عن طريق الصعيد وعيذاب على البحر الأحمر وفيها رأى الطريق البحرى إلى جدّة معطّلا لخروج قبائل البجّة على سلطان مصر محمد الناصر بن قلاوون، فعاد إلى الفسطاط، واتجه إلى صحراء سيناء وتجول فى بلاد الشام من بيت المقدس ومعان إلى حلب، وخرج من الشام مع ركب من الحجاج إلى المدينة المنوّرة فمكة، واتجه بعد أداء فريضة الحج إلى العراق وغربى إيران ونزل فى النجف وواسط والبصرة وشيراز فى إيران وبغداد وبلدان الموصل. وحج حجته الثانية وأقام بمكة سنة، ورأى أن يزور اليمن وطاف ببعض بلدانها وعبر البحر إلى أفريقيا الشرقية وزار الصومال وزيلع ومقدشو، وعاد إلى الجزيرة العربية مارا بشواطئها الجنوبية وظفار وعمان ودخل الخليج العربى وبعض بلدانه. وحج حجته الثالثة واتجه بعدها إلى مصر، ولم يلبث أن رحل إلى آسيا الصغرى حيث بلدان السلاجقة وأمراء الدولة العثمانية الأوائل، وأبحر إلى شبه جزيرة القرم وكانت تابعة لسلطان مغول القفجاق محمد أوزبك وتجول فى بلاده وفى بلاد القوقاز والبلغار، ورغب فى أن يدخل بلاد الظلمة (روسيا) وعدل عن ذلك. وأنس به السلطان محمد أوزبك ويعدّه من أعاظم ملوك الدنيا، وأرسله فى ركب مع زوجته بنت ملك الروم لزيارة أبيها فى القسطنطينية فتعرف على بلدان الدولة البيزنطية. ويرحل إلى خوارزم، ويدخل سمرقند، ويتجوّل فى بلدان خراسان مثل بلخ وبخارى وبلاد أفغانستان مثل هراة، ويدخل إلى الهند فى سنة ٧٣٤ هـ/١٣٣٣ م ويكرمه سلطان السند أو البنجاب محمد شاه ويوليه قضاء دهلى ويقيم بها ثمانى سنوات. وأرسله السلطان فى وفد بهدية إلى ملك الصين، وأبحر إلى قاليقوط إحدى ثغور الهند فى الغرب، وهبت عاصفة أغرقت المركب وأسرته والهدية، ولم يرجع إلى السلطان، ورحل إلى جزائر ذيبة المهل (الملديف) جنوبى الهند، وتولّى القضاء بها عاما وبعض عام، وتركها إلى الصين عن طريق جزيرة سيلان والبنغال، ويركب البحر وينزل سومطرة وجاوة، ثم يتجه إلى الصين ويتجول فى بلدانها، ويعود إلى سومطرة ويمر بإيران والعراق والشام ومصر، ويبحر من عيذاب لقضاء العمرة. ويصمم على العودة إلى موطنه، ويصل إلى تونس ويركب منها البحر إلى الجزائر ويمر بسردانية وبتلمسان، ويصل إلى فاس سنة ٧٥٠ ويرحب به سلطانها أبو عنان ويلحقه بحاشيته. ولا يلبث أن يزور الأندلس ويتجول فى بلدان إمارة بنى