الأحمر بغرناطة، ويعود منها عازما على زيارة السودان الغربى، ويدخل الصحراء إليه سنة ٧٥٣ ويتجول فى بلدان مالى ويصل إلى تمبكتو على النيجر، ويعود فى أواخر سنة ٧٥٤ إلى المغرب. وكان السلطان أبو عنان معجبا أشد الإعجاب بما يقصه عن رحلاته فأمر كاتبه ابن جزىّ أن يساعده فى كتابة رحلته التى سماها:«تحفة النظّار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار». ونجد ابن جزىّ يقول فى آخرها:«انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ أبى عبد الله محمد بن بطوطة» وكان فراغه من هذا التلخيص فى شهر صفر سنة ٧٥٧ هـ/فبراير ١٣٥٦ م. ويبدو أن ابن بطوطة كان قد قيد رحلته فى أسفار كثيرة وأن ابن جزى لخصها مما جعل بعض الباحثين يظن أنها من تحريره. وابن جزى نفسه يعترف بأن كل ماله إنما هو تلخيص واختصار لجوانب من تفاصيلها الكثيرة، ولذلك نذهب إلى أنها مكتوبة فى جملتها بأسلوب ابن بطوطة نفسه، ونعدّه لذلك من كبار كتاب المغرب الأقصى. وهو لا يدخل بلدة إلا وصف سورها إن كان لها سور مثل الإسكندرية ودورها ومطاعم أهلها وملابسهم وأسواقها ومدارسها وعلماءها ونسّاكها وحكامها وعادات سكانها وتجاراتها وزروعها وعملتها وكل ما يتصل بها، وكيف لابن جزى بوصف ذلك وهو لم يشاهد شيئا منه. وكانت فيه نزعة دينية قوية فأطال الحديث عن الزوايا والنساك والأولياء وأصحاب الكرامات، ونقتطف بعض ما جاء فى رحلته الضخمة، فمن ذلك قوله عن مصر:
«أم البلاد، وقرارة فرعون ذى الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلاد الأريضة (ذات المزارع والرياض الجميلة) المتناهية فى كثرة العمارة، المتباهية بالحسن والنضارة، مجمع الوارد والصادر، ومحطّ رحل الضعيف والقادر، بها ما شئت من عالم وجاهل، وجادّ وهازل، وحليم وسفيه، ووضيع ونبيه، وشريف ومشروف، ومنكر ومعروف، وتموج موج البحر بسكانها، وتكاد تضيق بهم على سعة أماكنها ومكانها، وشبابها يجدّ على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد». والسجع قليل فى الرحلة، إذ لا يعدو المقدمة وكلمات قليلة تقال فى وصف بعض البلدان، والأسلوب العام أسلوب مرسل طليق اختاره ليكون دقيقا وواضحا فى وصف مشاهداته.
ويقول عن أهل مصر إنهم «ذوو طرب وسرور ولهو» أما المدارس فلا يحيط أحد بها لكثرتها، ويشيد بمارستان قلاوون وأن الواصف يعجز عن بيان محاسنه إذ أعدّ فيه من المرافق والأدوية ما لا يحصر، ويقول إن مجباه (ما يجبى إليه وينفق عليه) ألف دينار كل يوم. ويقول إن الزوايا الخاصة بالزهاد والمتصوفة تكثر فى مصر كثرة مفرطة. وينزل آسيا الصغرى ويتجول فى بلدانها ويصف مشاهدها ومساجدها ومدارسها وحماماتها ويتحدث عن حكامها من السلاجقة والعثمانيين، ويعجب فيها بنظام للفتوة يقوم به فتيان على حسن الضيافة وإيواء