من فتيان العبيد والإماء، وصمم المنصور على غزو صنغى واحتلال بلادها لما فيها من كنوز الذهب ومعادنه، وأعدّ لذلك جيشا جرارا بقيادة جؤذر الأندلسى، والتقى الجيش بعد رحلة شاقة مضنية فى فيافى الصحراء وقفارها بجيش إسكيا إسحاق بن داود واستطاع هزيمته فى موقعة فوندبى شمالى جاو، ودخل المدينة فوجد أهلها غادروها واتجه جؤذر إلى تومبكتو العاصمة، وأحس بخيبة أمل شديدة حين قيل له إن مناجم الذهب التى يقصدها لا تزال بعيدة جدا بعد المغرب الأقصى عن تمبكتو. وأرسل بذلك إلى المنصور فغضب وعزله عن قيادة الجيش وأرسل مكانه محمود زرجون، ويقال إنهم استولوا من قصور إسكا إسحاق بن داود على ما لا يحصى من الحلى والذهب وعاد الجيش محملا بغير قليل منهما، مما أتاح للمنصور أن يبنى قصره «البديع» وينثر منه الكثير على الناس، ولذلك سمى المنصور الذهبى.
وأهم ما عاد على موريتانيا من انتصار هذا الجيش المغربى الضخم أنه رفع يد دولة صنغى عن البلدان الموريتانية التى دانت لها، وأكثر من ذلك أهمية أن المنصور رأى أن يرسل إلى بلاد موريتانيا والسودان رجالا كثيرين وخيلا من عرب المعقل وجشم أهل الشوكة والنجدة لحراسة ما استولى عليه جيشه من تلك الديار. ولبّاه من عرب المعقل قبيلة حسان وغيرها، ونزلت عشائر منها فى شنقيط، وإليها ينسب إدوعيش سكان تكانت وأبناء أحمد من دامان والترارزة فى الجنوب الغربى من موريتانيا، وينسب إليها أيضا البرابيش سكان تيشيت وحكامها والأوداية ونزلوا بين وادان وولاته وكأن قبائل حسان تغلغلت فى كل بلدان موريتانيا ومناطقها، وكان ذلك كسبا كبيرا لموريتانيا لأنهم عرب، وأخذت تتعرب من حينئذ أى من أول القرن العاشر الهجرى/السادس عشر الميلادى.
ومع أنهم استقروا فى مدن موريتانيا مع إخوانهم من القبائل الصنهاجية، ولم يعودوا يسكنون فى خيام، إنما يسكنون فى أكواخ، ظلوا يعنون بتربية الإبل والخيل، وظلوا يقودون حروبا مستمرة، ويتسع أحمد بن الأمين الشنقيطى فى عرضها بكتابه الوسيط وتراجم أدباء شنقيط، ونراه يقول عن حروب قبائل حسان إن الحرب أصل معهود بينهم فترى قبائلهم أو أقسامهم الكبيرة يحارب بعضها بعضا كما وقع بين إدوعيش سكان تكانت والترارزة سكان الجنوب الغربى إلى حدود السنغال، وكما وقع بين إدوعيش وأبناء أحمد من دامان جيرانهم وكما وقع بين أحياء من عثمان سكان أدرار وإدوعيش، وكما وقع بين الترارزة وأبناء عمومتهم البراكنة، ويعرض لحروب الترارزة، فيقول فى فاتحة عرضه: ما وقع بين الترارزة مع غيرهم لا يذكر، بالنسبة لما وقع بين بعضهم وبعض، وما يزال ابن الأمين الشنقيطى يعرض علينا حروب الموريتانيين وكيف أنها كانت تبدأ ضعيفة، ثم تقوى وتستحكم بمرور الزمن. ولم تنج منها بلدة موريتانية، ولا أفلت منها راغب فيها أوكاره، وقد غلبت على حياتهم منذ القرن