من انخفاض ثمنه فى موطنه وارتفاعه فى بلاد السودان، وكأنه لم يكن يعرف شدة حاجتهم إليه بسبب الحرارة القاسية فى ديارهم إذ يحفظ الماء فى الجسم فلا يتبخّر سريعا، وقال إن من يحفرون عليه عبيد قبيلة مسوفة الصنهاجية. ونزل مدينة ولاتة، ويذكر أن أكثر أهلها من قبيلة مسوفة، وأنها كانت تتبع حينئذ سلطان مالى، وأغلب الظن أن تبعيتها لمالى منذ عهد مارى جاطة (٦٢٨ هـ/١٢٣٠ م-٦٥٢ هـ/١٢٥٥ م) الذى وسّع حدود دولته-كما أسلفنا- إلى أقصى حد جنوبا وشرقا وغربا وكانت «ولاته» تابعة لغانة ومثلها مدينتا نيمة وأودغست، فطبيعى أن تدين جميعا له ولما لى بعده وحكامها التالين. ويذكر ابن بطوطة عن ولاته أنها شديدة الحر وبها يسير نخيلات يزرعون فى ظلالها البطيخ، ولحم الضان بها كثير وثياب أهلها ثياب مصرية حسان، ويقول إنهم مسلمون يحافظون على الصلوات ومثلهم نساؤهم ولهن جمال فائق، ويذكر أنه أقام بها نحو خمسين يوما وأن أهلها أكرموه وفى مقدمتهم قاضيها وأخ له مدرس. ولا نعود نسمع عن ولاته فى عهد دولة مالى، وكانت قد أخذت فى الضعف بينما أخذت صنغى فى حوض النيجر الأوسط شرقى السنغال وغمبيا تقوى، ولم تلبث أن استقلت عن مالى، ثم أخذت تزداد قوة تدريجا فى القرن التاسع الهجرى، وبلغت غاية قوتها فى عهد أسرة إسكيا واستولى «سنّ على» ملكها على تمبكتو وأشعل فيها النيران سنة ٨٧٣ هـ/١٤٦٨ م مما جعل فقهاءها وفى مقدمتهم عمر بن محمد أقيت يفرّون منها إلى ولاته واستولت هذه الأسرة على كثير من بلدان مالى ومدّت سلطانها ونفوذها إلى ولاته وإقليمها فى موريتانيا، وكان حكامها بعد سن على متمسكين بالإسلام، مما زاد فى تعلق الناس بهم، وخاصة بمحمد بن أبى بكر (٨٩٩ هـ/١٤٩٣ م-٩٣٥ هـ/١٥٢٨ م) الذى اتخذ مدينة تومبكتو على النيجر عاصمة له، واستكثر من بناء المساجد والزوايا، واستقدم لها الفقهاء والعلماء لتعليم الناس القرآن والفقه وأمور دينهم، وزار الحسن الوزان ولاته فى عهده وقال إنها تابعة لملك تومبكتو وتدفع له ضريبة محددة، ومر بنا حديثه عنها فى جغرافية موريتانيا، وقال إن كل تنظيم مدنى مجهول فى هذه المنطقة، فلا قضاة ولا حكومة منظمة، إذ كانت قبيلة مسوفة فيها لا تزال تعيش معيشة قبيلة.
ويبدو أن دولة صنغى لم تكتف بولاء ولاته وأنها حاولت الاستيلاء على تغازى وما بها من مناجم الملح، بل يقال إنها استولت عليها فعلا مما أغضب أحمد المنصور الذهبى سلطان الدولة السعدية فى المغرب الأقصى (٩٨٦ - ١٠١٢ هـ) فصمم على منازلتها، وأرسل إليها حملة سنة ٩٩٧ هـ/١٥٧٩ م فى عهد حاكمها إسكيا داود وتغلغلت الحملة فى بلاد السودان واضطر إسكيا داود أن يقبل التنازل عما بيده من بلاد موريتانيا والقبائل الصنهاجية، وعادت الحملة بغنائم كثيرة وسمع بالحملة صاحب برنو شرقى صنغى وكأنما خشى على بلاده من الجيش السعدى، فأرسل فى أواخر سنة ١٠٠٠ هـ/١٥٨٢ م بيعته للمنصور الذهبى مع هدية كبيرة