جيشه فى حماس بالغ لنشر الإسلام فى ربوع السودان، واستطاع الاستيلاء على غانة ونشر الإسلام فى أنحائها، ويقال إن أميرها السوننكى أعلن إسلامه وأسلم معه كثيرون. وبالمثل نشر الإسلام فى أرجاء مالى وأرجاء صنغى فى حوض النيجر الأوسط، وحقا كل تلك البلدان كان قد دخلها الإسلام على أيدى التجار والقبائل الصنهاجية قبل أبى بكر بن عمر، ولكن كانت كثرة أهلها ما عدا التكرور وثنية، أما أبو بكر بن عمر فإنه أحالها بلادا وشعوبا إسلامية إلى اليوم وإلى أبد الآبدين. وكل ذلك بفضل هذا البطل الصحراوى الموريتانى المخلص لدينه الذى كان يحكم كل هذه الأقطار من منطقة الأدرار فى موريتانيا متخذا آزكى وأودغست قاعدتين كبيرتين لحملاته الحربية جنوبا وشرقا. وكل ذلك يحسب له ولصنهاجة موريتانيا كما يحسب لها ما أدته من خدمات جلّى فى الأندلس وحمايتها للإسلام هناك ضد أعدائه من نصارى الإسبان. وطبيعى أن تسيطر صنهاجة موريتانيا فى أثناء ذلك على طرق التجارة الرئيسية بين المغرب الأقصى وإفريقيا المدارية. واستشهد البطل العظيم أبو بكر بن عمر سنة ٤٨٠ هـ/١٠٨٧ م برمية سهم مسموم فى عودة له إلى الأدرار من غزوة مظفرة بعد أن أدى للإسلام خدمات جلّى وسّع بها داره الإفريقية وعالمه الضخم.
وأبو بكر-دون ريب-هو صاحب الفضل فى أن جعل كل الشعوب الإفريقية التى استولى عليها شعوبا إسلامية، ودخلت إليها مع الإسلام اللغة العربية، وظلت لغة العبادة والثقافة والتجارة إلى اليوم، ولم يستطع الاستعمار إزاحتها عن مكانتها. وعادت هذه الشعوب إلى الاستقلال عن دولة المرابطين وصنهاجة موريتانيا بعد وفاة أبى بكر سنة ٤٨٠ هـ/١٠٨٧ م، وازدهرت من بينها مملكة غانة وظلت صاحبة السيادة والنفوذ فى كل البلاد والأراضى الواقعة بين نهر النيجر والمحيط الأطلسى وتبعها الشطر الجنوبى من موريتانيا ومدينة أودغست ونيمة وولاته، وانتسب حكامها-كما يقول الإدريسى-إلى الحسن بن على بن أبى طالب. وكانت قبيلة الصوصو تنزل جنوبيها وتخضع لها وتدفع إليها الجزية إذ كانت وثنية، وما زالت تقوى حتى استطاعت القضاء على غانة والاستيلاء على عاصمتها كومبى صالح شمالى ياماكو عاصمة مالى الحديثة سنة ٦٠٠ هـ/١٢٠٣ م وفرّ من العاصمة فريق من المسلمين مع الشيخ إسماعيل إلى مدينة ولاته فى الجنوب الشرقى لموريتانيا وأصبحت من أهم المراكز التجارية فى إفريقية الغربية. وبعد نحو ثلاثين عاما استطاع مارى جاطة بطل دولة مالى القومى وأهم حكامها أن يغزو بلاد الصوصو ويقضى عليهم. وامتدت دولته حتى شملت حوض نهر السنغال ونهر غينيا ومعظم حوض النيجر الأوسط والأعلى، وفى أوائل عهد أحد أحفاده وهو منسا سليمان (٧٥٣ هـ/١٣٥٢ م-٧٦٠ هـ/١٣٥٩ م) قام ابن بطوطة برحلته إلى السودان، وكانت أول مدينة نزل بها فى موريتانيا مدينة تغازى، ومر بنا حديثه عن مناجم الملح بها، وعجب