وكان أبو بكر بن عمر بطلا مغوارا، وكان صالحا متين الدين متورعا، وسرعان ما تقدم بجيشه من آدرار وحصنى آزكى وأودغست فى شهر ربيع الثانى سنة ثمان وأربعين وأربعمائة إلى بلاد السوس جنوبى المغرب الأقصى، وأخذ يستولى على بلدانها وقضى فيها على قوم من الروافض يقال لهم البجلية نسبة إلى عبد الله البجلى الرافضى، وكان قدم إلى السوس حين قدم عبيد الله المهدى الشيعى الإسماعيلى إلى إفريقيا، وأشاع به مذهبه الرافضى، وأخذت أجيال متعاقبة تتوارثه هناك إلى أن قاتلهم أبو بكر بن عمر وعبد الله بن ياسين وقتل منهم خلق كثير، ورجع من بقى منهم إلى السنة ورأى الجماعة. وتلك أولى حسنات أبى بكر بن عمر والشيخ عبد الله بن ياسين فى المغرب الأقصى، وأخذا يتغلغلان فيه شمالا واستوليا على أغمات وإقليم حاحة سنة ٤٤٩ هـ/١٠٥٧ م كما استوليا على تادلة وإقليم دكالة، وعرفا أن بساحلها على المحيط وساحل إقليم تامسنة قبائل برغواطة التى خرج بها عن جادة الدين الحنيف متنبئون ابتدعوا لهم شريعة ضالة كافرة-وتعاقبوا فيهم من قديم، فقصدا إليها فى مدينة آسفى على المحيط بإقليم دكالة وفى مدن سلا وآزمور وآنفة (الدار البيضاء) فى ساحل إقليم تامسنة، وأخذا ينازلانها منازلات ضارية، وفى بعض المنازلات والوقائع استشهد الشيخ العظيم عبد الله بن ياسين سنة ٤٥١ هـ/١٠٥٩ م، وبنى مسجد على قبره. ومضى أبو بكر بن عمر يجاهد برغواطة، حتى استأصل شأفتها ومحا دعوتها من المغرب الأقصى إلى غير رجعة. وتلك حسنة كبرى ثانية لأبى بكر بن عمر وصنهاجة موريتانيا. وبلغه سنة ٤٥٣ هـ/١٠٦١ م أن خلافا شديدا نشب فى صحراء موريتانيا بين قبيلتى لمتونة ومسوفة، وخشى افتراق الكلمة، فخرج إليهما واستعمل على المغرب الأقصى ابن عمه يوسف بن تاشفين. ومنذ ذلك الحين انقسمت دولة المرابطين قسمين: قسما شماليا وقسما جنوبيا، وقاد القسم الشمالى يوسف بن تاشفين، وسرعان ما أسس فى سنة ٤٥٤ هـ/١٠٦٢ م عاصمة دولته: مراكش، وفى سنة ٤٧٤ هـ/١٠٨١ م استولى على مدينة تلمسان الجزائرية من أيدى بنى يعلى الخزريين، وتوغّل شرقيها حتى مدينة الجزائر. واستصرخه بعض أمراء الطوائف فى الأندلس، كى ينقذهم من براثن الإسبان الشماليين، فجاز إليهم زقاق جبل طارق بجموع صنهاجة الصحراء الموريتانية، وانتصر على الإسبان فى موقعة الزلاقة انتصارا حاسما سنة ٤٧٩ هـ/١٠٨٥ م ورأى من الضرورى القضاء على أمراء الطوائف حتى تعود إلى الأندلس وحدتها إزاء الأعداء المتربصين. وهذا الانتصار العظيم يعد حسنة كبرى ثالثة تضاف إلى صنهاجة الصحراء الموريتانية.
والقسم الجنوبى لدولة المرابطين ظل يقوده البطل المجاهد العظيم أبو بكر بن عمر الذى استطاع نشر الإسلام فى جميع أرجاء إفريقيا المدارية حتى أبواب إفريقيا الاستوائية وسياجها الضخم من الغابات الكثيفة، وقد بدأ بالتكرور ومنطقة نهر السنغال الأدنى، وانضموا إلى