للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضل شجاعة يستطيع أن يتلافى به هوان شأنه فى «عبس» على نحو ما صنع عنترة من قبله. ومن ثمّ نشأ يشعر بغير قليل من المرارة، ولعل هذا هو السبب فى غلبة الهجاء عليه.

ولما تيقظت فى نفسه موهبة الشعر لزم زهير بن أبى سلمى يعلمه إحكام صنعه على نحو ما كان يعلم ابنه كعبا. ومر بنا أن الحطيئة كان يروى شعر كعب أيضا، وأنه طلب إليه أن ينوّه به، حتى يدور على الألسنة ذكره. ومعنى ذلك أن الحطيئة من مدرسة زهير التى كانت تعنى بالتعبير وصقله وتصفيته من كل شائبة، كما كانت تعنى بالمعانى ودقتها.

ويضيئ الإسلام فى الجزيرة، فلا يسارع إليه، ومن هنا اختلف الرواة هل قدم على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة فأعلن إسلامه على شاكلة كعب، أو أنه تأخر فى اعتناقه الإسلام، حتى توفّى الرسول الكريم. ونراه يسارع إلى الرّدّة، معينا بشعره المرتدّين ضد أبى بكر وخلافته، حتى ليقول:

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبى بكر

أيورثها بكرا، إذا مات، بعده ... فتلك، وبيت الله، قاصمة الظهر

على أن من الرواة من نسب هذين البيتين إلى غيره (١). وقد عاد مع المرتدين إلى الإسلام.

وجمهور شعره يدور فى المديح والهجاء، ويقول الأصمعى: «كان الحطيئة جشعا سؤولا ملحفا دنئ النفس، كثير الشر، قليل الخير، بخيلا، قبيح المنظر، رثّ الهيئة، مغموز النسب، فاسد الدين، وما تشاء أن تقول فى شاعر من عيب إلا وجدته، وقلما تجد ذلك فى شعره» (٢). وقد يكون الأصمعى بالغ فى نعته بهذه الصفات، وحقّا كان يمدح سادة القبائل بشعره منذ نشأ فى الجاهلية من أمثال عيينة بن حصن الفزارى وزيد الخيل، وكان يتورط فيما


(١) انظر الطبرى ٢/ ٤٧٧ حيث نسب البيتين إلى أخيه الخطيل وقارن بالديوان ص ٣٢٩ والأغانى ٢/ ١٥٧.
(٢) أغانى (دار الكتب) ٢/ ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>