للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينهم من خصومات ومنافرات، إذ نراه يقف فى صف عيينة بن حصن حين نافر ابن عمه زبّان بن سيار، كما نراه يقف فى صف علقمة بن علاثة حين نافر عامر بن الطفيل (١). وكان غيره من الشعراء يصنعون صنيعه، فقد كان الأعشى ولبيد يقفان فى صف عامر. وقد تكون حادثته مع الزّبرقان بن بدر هى التى شوهته، ذلك أنه لقيه فى عهد عمر بن الخطاب يؤمّ المدينة، وكان على صدقات قومه، فلما عرفه دلّه على داره حيث زوجه وعشيرته، فنزل بأهله، وفزع بنو أنف الناقة-إذ كانوا ينافسون عشيرة الزبرقان-حين علموا ذلك، وعملوا على أن يفسدوا العلاقة بينه وبين زوج الزبرقان، وكانت قد تراخت فى استقباله. وأتيحت بذلك الفرصة لبنى أنف الناقة، فضموا الحطيئة إليهم وبالغوا فى إكرامه، وانطلق يثنى عليهم ثناء رائعا معرّضا بالزبرقان بمثل قوله يخاطبه:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسى (٢)

ورفع الزبرقان أمره إلى عمر، فحكّم حسان بن ثابت فيه، فلما حكم بأنه هجاه حبسه. وأخذ الحطيئة يستعطفه بأبياته المشهورة التى يقول فيها:

ماذا تقول لأفراخ بذى مرخ ... زغب الحواصل لا ماء ولا شجر (٣)

ألقيت كاسبهم فى قعر مظلمة، ... فاغفر عليك سلام الله يا عمر

ولان له قلب عمر. فعفا عنه بعد أن أخذ عليه العهد أن لا يعود إلى الهجاء ويقال إنه اشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم (٤).

ونحن إذا قرأنا أشعاره المختلفة التى عرض فيها للزّبرقان وجدناه لا يقذع فى هجائه، إنما يمسّه على نحو ما رأينا فى بيته السالف برفق، عامدا إلى التهكم والسخرية. ولا نشك فى أن الإسلام هو الذى خفّف من حدة لسانه، ونراه يصرّح بذلك إذ يقول (٥):


(١) ابن سلام ص ٩٣ وما بعدها.
(٢) يريد المطعوم المكسو.
(٣) ذو مرخ: واد بالحجاز. الأفراخ: سغار الطير شبه بها أولاده. زغب الحواصل: لم ينبت على حواصلهم سوى الزغب القصير، كناية عن صغرهم وأنهم لا يقوون على الطيران.
(٤) انظر فى القصة الأغانى ٢/ ١٧٩ وما بعدها.
(٥) الديوان ص ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>