الجنوبيين إلى الشمال، وخاصة بعد سيل العرم الذى خرب سدّ مأرب. ويؤكد ذلك أننا نجد للقبيلة الواحدة فروعا وشعبا مختلفة فى الجزيرة العربية، فكندة التى هاجرت إلى الشمال وأسست لها مملكة أو إمارة فى شمالى نجد كانت لا تزال بقيتها الكبرى تقيم فى حضرموت حين ظهور الإسلام، ونجد فى أسماء رجالها نفس الأسماء الجنوبية مثل شرحبيل بن الحارث ومعديكرب أخيه، كما مر بنا فى الحديث عن إمارة كندة. وكانت عشائر من إياد لا تزال تنزل فى شمالى نجران بينما يممت عشائر منها حوض الفرات، أما الأزد فقد توزعت عشائرها بين شمالى اليمن وعمان، والمدينة حيث أقام الأوس والخزرج، وشمالى الجزيرة فى الشام حيث نزل بنو غسان (١). وفى هذا دلالة واضحة على أن هجرة الجنوبيين إلى الشمال لا يعتريها الشك. وهاجرت تنوخ إلى البحرين، ثم استقرت فى جنوبى العراق حيث أسست أهم عشائرها، وهى لخم، دولة المناذرة فى الحيرة. ولما نزحت قبائل همدان من حضرموت إلى الجوف اليمنى بين مأرب ونجران هاجرت قبيلة طيئ إلى الشمال واستقرت فى جبلى أجأ وسلمى. وهاجرت قبائل أخرى إلى شمالى الحجاز وانتشرت فى بادية الشام وأهمها قضاعة وبهراء وجهينة وبلى التى نزلت فى مساكن ثمود وجذام وكلب وعاملة اللائى نزلن فى حدود فلسطين وعذرة التى نزلت بالقرب من تيماء ووادى القرى. وممن هاجر من الجنوب أيضا خزاعة وكانت مستقرة قبيل الإسلام فى منطقة مكة وبجيلة وكانت تنزل جنوبى الطائف.
ويقابل هذا القسم القحطانى اليمنى قسم عدنانى مضرى، ومن أهم قبائله قريش فى مكة، وثقيف فى الطائف، وعبد القيس فى البحرين، وبنو حنيفة فى اليمامة، وتميم وضبّة فى صحراء الدهناء، وبكر وعشائرها الكثيرة التى تمتد من الشمال الشرقى للجزيرة إلى اليمامة والبحرين، ويرد إليها النسابون بنى حنيفة وبنى عجل وشيبان وذهل، ثم تغلب وكانت تتوغل أكثر من بكر فى شمالى الجزيرة صوب الشرق، وكان يجاورها بنو النمر، بينما كانت تنزل أسد فى شمالى نجد وتنتشر عشائرها إلى تيماء. ومن هذه القبائل العدنانية أيضا كنانة وهذيل بالقرب من مكة،
(١) انظر مادة إياد والأزد فى دائرة المعارف الإسلامية وكذلك مادّة خصعم.