للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى أصبح اللقب فخرا لهم. وتروى له أهاج فى زوج أمه وفى أمه وفى ضيفانه. وكلها مزاح. حتى لنراه يمزح مع نفسه، فيقول:

أرى لى وجها شوّه الله خلقه ... فقبّح من وجه وقبّح حامله

أما بخله الذى أشار إليه الأصمعى والرواة، فقد غسله بكثرة مديحه للكرم، وبقصيدته «وطاوى ثلاث» (١) وفيها يصور أعرابيّا فقيرا نزل به ضيف، وعياله من حوله يتضوّرون جوعا، فهمّ أن يذبح له أحدهم، لولا أن عنّت له أتان وحشية، فصادها وأطعمها ضيفه. والقصيدة رائعة فى وصف غريزة الكرم العربية.

والحق أن الرواة بالغوا فى اتهامه بالبخل ودناءة النفس، كما بالغوا فى اتهامه بفساد الدين، قد يكون رقيقه ولكنه ليس فاسده، فقد كان يستشعره فى الهجاء بشهادة لسانه كما قدمنا. ونراه فى مديحه يكثر من ذكر جزاء الله لممدوحه على ما يقدم له من برّه على شاكلة قوله فى بعض ممدوحيه:

فليجزه الله خيرا من أخى ثقة ... وليهده بهدى الخيرات هاديها

وقد يستهل المدح بالثناء على الله فى مثل قوله:

الحمد لله إنى فى جوار فتى ... حامى الحقيقة نفّاع وضرّار

وقال أبو عمرو بن العلاء: لم تقل العرب بيتا قط أصدق من بيت الحطيئة (٢):

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه ... لا يذهب العرف بين الله والناس

ولعل فى ذلك ما يدل على أنه حسن إسلامه، وأبلغ فى الدلالة على ذلك قوله فى وصف التقى والعمل الصالح (٣):

ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقىّ هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد ذخرا ... وعند الله للأتقى مزيد


(١) الديوان ص ٣٩٥ وما بعدها.
(٢) أغانى ٢/ ١٧٣.
(٣) أغانى ٢/ ١٧٥ والديوان ص ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>