جيشا مع بعض قواده، ومضى الجيش حتى دنقلة، ولقى داود وجماعته وهرب، وتوج شكنده (إسكندر) ملكا على مقرة بنفوذ وقوة الجيش المصرى المملوكى مع إعلان أنه نائب للسلطان وعليه أن يرسل إليه نصف ما يجمعه من الضرائب والجزية على الشباب من غير المسلمين وكانت فى واقعها ضريبة دفاع، وبذلك عدّ أهل مقرة المسيحيين أهل ذمة. وتوفى شكنده سنة ٦٧٥ هـ/١٢٧٧ م وتولى بعده أمير من البيت المالك دون رجوع إلى السلطان قلاوون الذى خلف الظاهر بيبرس فأرسل إلى بلاد النوبة حملة قضت على الملك الجديد، ونصبت سمامون ملكا على مقرة ونائبا لقلاوون بنفس شروط شكندة السالفة غير أن سمامون لم يلبث أن أظهر عدم إخلاصه وولائه لقلاوون، فأرسل إليه حملة تأديبية بقيادة أيدمر والى قوص، وهزم سمامون وفر إلى الجنوب وأقيم مكانه ابن أخته ورأى قلاوون أن يبقى معه المملوك أيدمر.
وبعد عودة الجيش المصرى المملوكى اضطر سمامون الملك الجديد نائب قلاوون وأيدمر إلى العودة إلى القاهرة فجهز قلاوون حملة كبيرة لمنازلة سمامون سنة ٦٨٧ هـ/١٢٨٩ م ووصل الجيش دنقلة ففرّ سمامون أمامه متوغلا فى الجنوب، وكان الملك الجديد توفى فى الطريق، فنصّب ابن أخته بدنقلة ملكا على مقرة، وبقيت هناك فرقة من الجيش المصرى مع أمير مملوكى. وعاد سمامون ثانية إلى دنقلة، وقبض على الأمير المملوكى وأرسله ورجاله إلى القاهرة وقتل الملك الجديد، وأرسل إلى قلاوون متعهدا له بأداء كل الالتزامات، وقبل قلاوون منه ذلك وتوفى وخلفه ابنه خليل فامتنع سمامون عن أداء الجزية والضرائب، وجهز له السلطان خليل حملة فرّ أمامها من دنقلة، ونصّب مكانه ملك جديد، وكان الأمير عبد الله برشمبو لجأ إلى القاهرة واعتنق الإسلام ودخل فى ولاء محمد الناصر بن قلاوون، وكان من الأسرة النوبية المالكة فرأى الناصر تعيينه نائبا له فى دنقلة وملكا مسلما عليها لأول مرة سنة ٧١٦ هـ/١٣١٦ م وأرسل معه حملة لتنفيذ ذلك، وبذلك استولى على صولجان الحكم فى مقرة المسيحية أول ملك مسلم. ولم يلبث أن نازعه الملك شيخ ربيعة الملقب بكنز الدولة، واستطاع القضاء عليه، ونصّب شيخ ربيعة نفسه ملكا على مقرة، ودخلت معه إلى أرض النوبة قبائل عربية كثيرة عملت على نشر الإسلام فيها بحيث يأخذ المسيحيون هناك فى التضاؤل، ولا يبقى منهم فى نهاية القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى إلا عدد قليل جدا. وتلك حسنة واضحة لاقتحام القبائل العربية لأرض النوبة، وهذه الحسنة رافقها توزيع أراضى النوبة بين القبائل العربية وقيام إمارات كثيرة صغرى فيها مما قضى نهائيا على مملكة المقرة.
وكانت الحدود الشمالية لمملكة علوة الواقعة جنوبى مملكة مقرة تسمى الأبواب وكان يقوم عليها حاكم يسمى ملك الأبواب، وخلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد كان يرسل لسلاطين المماليك بولائه، وحين كان يعصى ملك مقرة هؤلاء السلاطين ويفرّ إلى الأبواب كان كثيرا ما يقبض عليه ويرسل به إليهم. ومنذ قامت فى دنقلة دولة إسلامية سنة ٧١٦ هـ/١٣١٦ م