للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سنار على النيل الأزرق، واختلفت الآراء فى أصل الفونج، فقيل إنهم من إقليم البرنو دخلوا السودان من غربيه فى القرن الخامس عشر الميلادى، وقيل هم من الشلوك القاطنين فى جزر النيل الأبيض، وقيل هم من أعالى النيل الأزرق من إقليم فازوغلى، وكانوا هم ينسبون أنفسهم إلى العرب، ويقولون إنهم من نسل بعض بنى أمية الذين فروا من الشام أثناء مذابح العباسيين لأبناء أسرتهم فى أول استيلائهم على الحكم، وكأنهم تغلغلوا فى الفرار حتى وصلوا إلى منطقة سنار على النيل الأزرق. وكانت العربية لغة دولتهم الرسمية، وكانوا يكتبون بها وثائقهم وبذلك كانوا دولة عربية إسلامية، وأول قيام تلك الدولة يؤرخ له بسنة ٩١٠ هـ‍/١٥٠٤ م وكان يرأسها ملك يسمى «عمارة دونقس» وكانت مملكة علوة فى سوبا قد تضعضعت، فتحالف عمارة دونقس مع عبد الله جمّاع شيخ عرب القواسمة من جهينة وشيخ قبائل العبدلاّب، وكان يسود المنطقة من التقاء النيلين الأبيض والأزرق مع الامتداد شمالا، والتقى الحليفان مع قوات مملكة علوة وانتصرا عليها انتصارا حاسما، وفرت فلولها إلى كردفان والصحارى وذابوا فى سكان البلاد من المسلمين. وانتهت بذلك مملكة علوة واتخذ دونقس مدينة سنار عاصمة له، وأصبح عبد الله جماع نائبا له فى الجزء الشمالى من الدولة. وحين استولى العثمانيون على مصر مدّوا حدودهم المصرية إلى مدينتى سواكن ومصوع على البحر الأحمر سنة ٩٢٧ هـ‍/١٥٢٠ م وأقاموا فيهما حاميتين. واستطاع عمارة دونقس أن يقنع العثمانيين بأنه ملك مسلم وسكان بلاده عرب مسلمون ولا مبرّر لأن يخشاهم العثمانيون.

ويخلف عمارة دونقس فى دولة الفونج ثلاثة ملوك لا يذكر لأحدهم عمل مهم ويخلفهم الملك دكين ودنايل سنة ٩٧٦ هـ‍/١٥٦٩ م وفيه يقول كاتب الشونة: «هو من أفخر ملوك الفونج، رتب الدواوين أحسن ترتيب وجعل لها قوانين مضبوطة لا يتعداها أحد، وجعل لكل جهة من جهات مملكته رئيسا (حاكما) معلوما وقنّن لمن عادته الجلوس بحضرته رتبا: الأعلى فالأعلى فى جلوسهم أمامه، وما زال يعنى بتمهيد دولته إلى أن توفاه الله تعالى سنة ٩٨٥ هـ‍. ويتعاقب بعده ملوك لا أهمية لهم ويخلفهم عدلان وداى سنة ١٠١٩ هـ‍/١٦١١ م ويذكر كاتب الشونة أنه حدثت فى عهده نهضة تعليمية وكان للشيخ عجيب رئيس عرب القواسمة والعبدلاب دور مهم فى تلك النهضة. ويبدو أنه ثار على عدلان وداى، ونشبت معركة بين جيشه وجيش الفونج مات فيها وانهزم جيشه وفرت أسرته من عاصمته «قرّى» إلى دنقله، وتوسط الشيخ الصالح إدريس ود الأرباب عند عدلان وداى فأقام العجيل أكبر أبناء الشيخ عجيب مكان أبيه شيخا أو أميرا على «قرّى» وعادت إليها أسرته.

وفى نفس السنة صمم الفونج على خلع ملكهم عدلان وولوا مكانه الملك بادى سيد القوم

<<  <  ج: ص:  >  >>