توضح مدى ما كان ينهض به الشيخ الصوفى لأتباعه حين تحدث مجاعة كمجاعة نجيع أم لحم سنة ١٠٩٥ هـ/١٦٨٤ م فإن شيوخ الصوفية فتحوا حينئذ لأتباعهم خلواتهم وقدموا لهم فيها الطعام، وكان بعضهم يظل يقدم هذا الطعام حتى فى سنوات الخصب مثل الشيخ ود حسونه، ويقول عنه ود ضيف الله، إنه كان يعنى بالفقراء (أتباع المتصوفة) فى الخلوات فيذبح لكل خلوة من خلواته شاتين فى كل يوم، وكان عدد خلواته إحدى عشرة وقيل بل ثلاث عشرة.
ورأى أهل السودان أن هؤلاء الشيوخ لا يهابون ذووى السلطان، وإذا كان لأحد منهم شيئا عند حاكم طلب إلى شيخه الصوفى أن يقضيه له ويلبى طلبه وسرعان ما يقضيه له الحاكم، ومن ذلك أن الشيخ حمد المجذوب صاحب الطريقة الشاذلية فى مدينة الدامر اشتهر بأنه كثير الشفاعة لأتباعه عند الملوك والسلاطين وكانوا لا يردون له شفاعة. وكان كثير من الحكام يهابون هؤلاء الشيوخ هيبة شديدة، وبلغ الشيخ خوجلى من الهيبة فى نفوسهم مبلغا كبيرا، حتى قيل إن أكابر العلماء والسلاطين إذا جلسوا بحضرته كانوا كالأطفال من هيبته، لذلك كانوا لا يعصون له ولأمثاله طلبا. ويذكر ود ضيف الله عن الشيخ إدريس أنه دخل سنار مقر الملك للشفاعة فى مصالح أتباعه إحدى وسبعين مرة. ويقول ود ضيف الله عن الشيخ بدر بن سليمان العوضى إن قبائل العرب فى مدينة بربر وغيرها كانت لا ترد له شفاعة وكان له كرم وضيافة للوافدين.
وهذا وجه مهم من وجوه تعلق أهل السودان بالمتصوفة، إذ كانوا يدافعون عن حقوقهم ويردون الظلم عنهم ويشفعون لهم ويغيثونهم كلما ألمت بهم كارثة ويفتحون خلواتهم لإيواء الضعفاء منهم وإطعامهم. لذلك تعلق أهل السودان بهم وأخذوا يدخلون أفواجا فى دعوة كل شيخ وطريقته وانتهاج ما تأمر به فى العبادة والتقوى. وكان يغلب أن يختار الشيخ قرية يجعلها مركزا لدعوته ويبنى فيها مسجدا وخلواته، وما يلبث أن يلتفّ به كثير من الأتباع، ويأتيه الناس من القرى المجاورة، كما حدث فى قرية العيلفون جنوبى الخرطوم فقد أسس بها الشيخ إدريس ود الأرباب مركز دعوته الصوفية، وتوافد عليه الناس من كل فجّ سودانى، وأصبحت بعد قليل بلدة كبيرة متسعة الرقعة آهلة بالسكان ممن جاءوا يأخذون عنه الطريقة القادرية. ومن ذلك ما حدث لقرية الدامر حين اتخذها الشيخ حمد المجذوب مركزا لدعوته الشاذلية، فقد وفد إليه الناس من دارفور وكردفان وجميع أنحاء السودان، ليأخذوا عنه تعاليم طريقته. وكثيرا ما يتوقف ود ضيف الله فى كتابه الطبقات ليقول لنا إن هذا الشيخ أو ذاك شدّت إليه الرجال وضربت إليه آباط الإبل. ويذكرون عن حلقة الشيخ أرباب الخشن أنها كانت تشتمل على ألف طالب من الفونج إلى البرنو غربا. وأسهم بعض المشايخ فى توسيع دائرة جماعاتهم الصوفية مثل الشيخ عبد الله الحلنقى إذ يذكر ود ضيف الله عنه أنه كان يتنقل بين «أبو حراز»