آنفا، وقد جمع بين التصوف وعلم الكلام والفقه، أما التصوف فأخذه عن الشيخ أحمد التمبكتاوى نسبة إلى تمبكتو على النيجر الأوسط، وأخذ علم الكلام عن الشيخ أرباب الخشن، والفقه على الشيخ الزين بن صغيرون. وكان يلبث الثياب الفاخرة، وعلى رأسه الطربوش الأحمر، ويتعمّم بالشيشان الفاخرة، ويتبخّر بالعود الهندى ويتعطّر، ويجعل الزباد الحبشى فى لحيته وثيابه، ويقول إنه يقتدى فى ذلك بشيخ طريقته أبى الحسن الشاذلى إظهارا لنعمة الله، فقيل له إن القادرية: إنما يلبسون الجبب والمرقّعات فقال: ثيابى تقول للخلق: أنا غنية عنكم، وثيابهم تقول لهم أنا مفتقرة إليكم.
وعمت فى زمن دولة الفونج (٩١٠ هـ/١٥٠٤ م-١٢٣٦ هـ/١٨٢٠ م) النزعة الصوفية كل أنحاء السودان، وبحق ما لاحظه الدكتور عبد العزيز عبد المجيد فى كتابه:«التربية فى السودان» من أن هذه النزعة كانت تعم حينئذ الحياة الدينية فى العالم الإسلامى وإنها «سيطرت على عقائد الناس وتفكيرهم وامتزجت بالدراسات الإسلامية، وصار من العلماء من يعتقد أن علم الظاهر لا بد له من علم الباطن بل إن منهم من اعتبر أن علم الباطن هو العلم الحقيقى» ومما يدل على ذلك بوضوح ما يذكره ود ضيف الله عن الشيخ عبد الله العركى فإنه بعد أن تفقه على الشيخ عبد الرحمن بن جابر ذهب إلى غابة الهلالية وشرع فى التدريس وذاع صيته، وقدم فى أيامه الشيخ تاج الدين البهارى فحاول أن يدخله فى طريقته القادرية الصوفية، فامتنع، وحين رأى ما لأتباع الشيخ من مكانة تحركت فى نفسه الرغبة فى أن ينضم إلى الطريقة القادرية، وكان الشيخ البهارى رحل إلى مكة فسافر إليه وأخذ عنه الطريق. ومن ذلك أن نجد الشيخ المسلمى الصغير بعد أن قرأ مختصر خليل فى الفقه المالكى وتفقه فى الدين رأى أن معرفته لا تتكامل إلا إذا دخل فى طريقة صوفية فذهب إلى الشيخ دفع الله العركى وقال له:«علمى ما نفعنى، أتيتكم راغبا مددكم، فسلكه فى الطريق وأدخله خلوة سبعة أيام، وخرج منها «صوفيا» كاملا. ويذكر ود ضيف الله أيضا عن الشيخ أبى القاسم الوديانابى أنه تفقه على الشيخ صغيرون، وسلك طريق الصوفية على الشيخ إدريس. ومن ذلك ما يقوله ود ضيف الله عن الشيخ محمد البنوفرى من أنه رحل إلى مصر ليقرأ على علمائها مختصر خليل، وبعد عودته إلى السودان صحب فى التصوف الشيخ إدريس ود الأرباب. ويكثر ود ضيف الله فى طبقاته من قوله عن هذا الصوفى أو ذاك إنه جمع بين الفقه والتصوف.
ومما رفع من شأن الطرق الصوفية وأصحابها فى نظر أهل السودان وجعلهم يلتفّون حولهم التفافا لم ينله أحد من الفقهاء وعلماء الشريعة الإسلامية أنهم رأوهم لا يعملون حسابا لذوى السلطان، إذ كانوا لا يأخذون رواتب منهم، كما رأوهم يتفانون فى خدمة أتباعهم وخاصة فى أيام الضيق والعسر الشديد. ويعرض علينا ود ضيف الله فى كتابه الطبقات صورا متعددة