جميعه، وهاجر الناس إلى أم درمان من كل الأنحاء لمبايعته وإعلان اعتناق دعوته، ولم يلبث أن توفى فى شهر يونية سنة ١٨٨٥.
ونستطيع أن نتبين مبادئ دعوته من خلال منشوراته، ومن أهم المبادئ التى دعا إليها أتباعه ومريديه الزهد فى متاع الدنيا وكان ينصّ على ذلك فى بيعة كل مبايع له، إذ يقول فى بيعته:«بايعناك على زهد الدنيا وتركها والرضا بما عند الله» ويشرح هذا المبدأ مبينا أن عدم الأخذ به عند الملوك والأغنياء يشغلهم عن الدين والاهتداء بما جاء به الرسل، يقول:«وأما الملوك والكبراء وأبناؤهم فصار شغلهم-عن الإنابة إلى الله والتلقى عن الرسل والمرشدين- بالجاه والمال والعز والثناء وحسن الصيت فلم يتركهم ذلك لأن يتنوروا بنور الحق لأن القلب صار ممتلئا بهذه الفانيات فلا محل فيه لقبول الباقيات، وصار حرمانهم من الخير فيما يظنون أنه متعة لهم، وإذا أراد الله بعبده خيرا فرغه من ذلك الخسيس».
والمبدأ الثانى فى دعوة المهدى العمل بالدين والشريعة المحمدية والخضوع لأوامر الله ونواهيه وأداء فروض الدين ونوافله والإخلاص فى عبادته يقول فى منشوراته:«لا نعمة إلا نعمة الدين، ولا كرم إلا كرم التقوى، ولا حسب إلا لامتثال لأمر الله والتواضع حتى يكون الشخص بالنسبة إلى آحاد عباد الله كواحد منهم كما كانت حالة الصحابة. . فإن المؤمنين كاليدين تغسل إحداهما الأخرى». وهذا المبدأ أهم مبادئ دعوته لأنه كان يريد إقامة مجتمع إسلامى كبير، ويصرّح بذلك لأتباعه، بل دائما يكرره كقوله لهم:«إنّي قد وليت عليكم بولاية الله ورسوله لإقامة الدين، وجئتكم داعيا إلى الله ومبلغا عنه ما حملته إليكم: اتّبعوا آثار من سلف من المهتدين السابقين على نهج سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم. . وإنما قصدنا منكم المعاونة فى تقويم الدين، وإنّي-فى ذلك-كواحد منكم». والمهدى-بذلك-كان يريد أن ينشئ مجتمعا إسلاميا جديدا على أساس قويم من الدين، وكأن ثورته كانت ثورة إصلاح دينى لبناء دولة إسلامية كبرى تعود بالعالم الإسلامى إلى حياته الأولى: حياة التقوى والعبادة الصحيحة والأخوة فى الدين التى هى-فى رأى المهدى-أقوى من الأخوة فى الأبوين. ولم يقم المهدى فى دعوته أى اعتبار لشئ سوى الدين الحنيف، فلا اعتبار لنزعة قومية ولا لنزعة عنصرية، ومن أكبر الأدلة على ذلك أنه أرسل إلى الضباط الإنجليز وجنودهم منشورا يقول فيه:«إنكم إذا تدبرتم بعقولكم وتفرّستم فى قدرة خالقكم. . علمتم أن مخالفته شنيعة، ولا ينبغى لكم إلا امتثال أمره واجتناب نهيه والهروب منه إليه. . فهيّا إلى ذلك فإن أسلمتم فلكم أمان الله ورسوله وأمان العبد لله وتكونوا من ضمن أنصارنا». فالمدار فى دولة المهدى إنما هو على التمسك بالدين، ولا فرق بين عربى وغير عربى ولا بين سودانى وأوربى. ومما يدل على أن الأساس الدينى فى الدعوة كان كل شئ ما يقوله نعوم شقير فى الجزء الثالث من كتابه: