ويشرح الأجرومية فى النحو. ولتلميذه الشيخ مكى النحوى الرباطابى شرحان على السنوسية: كبير وصغير.
وما حدث بين الطلاب السودانيين وانتظامهم فى الأزهر للتعليم وانتداب بعض خريجى الأزهر من المصريين أنفسهم لنشر الثقافة الدينية فى ربوع السودان حدث ما يماثله أو يقرب منه بين السودان والحجاز، فقد كان للسودانيين رواق فى المدينة تنفق الدولة على من ينزل فيه للأخذ عن الشيوخ هناك، وممن نزله من السودان الشيخ محمد بن عدلان الذى تتلمذ للشيخ عبد الله المغربى هناك، وعاد إلى أرض الجزيرة فى السودان، ودرّس للناس علم الكلام من خلال كتب السنوسى التى ذكرناها آنفا، ويقول ود ضيف الله إن مدار علم الكلام فى دار الجزيرة أو إقليمها على طلبته وتلامذة طلبته. ويذكر ود ضيف الله عن شيخ سودانى يسمى عمار بن شايقى أنه قرأ فى مكة علوم العربية. ويلم ود ضيف الله بأسماء علماء اليمن الذين نزلوا فى السودان واستوطنوه مثل الفقيهين حمد ولد زروق والشيخ جبارة. ويذكر ود ضيف الله طائفة من علماء المغرب الذين نزلوا فى السودان غير أنه لا يتوقف إزاءهم طويلا لنعرف ما الذى كانوا يدرّسونه للطلاب فيما عدا التلمسانى، إذ يقول إنه درّس لطلابه علم الكلام وعلوم القرآن وتجويده وترتيله. ونظن ظنا أن التلمسانى كان أحد من أشاعوا قراءة ورش المصرى فى دارفور وكردفان، إذ كانت مصر قد هجرتها من قديم وتمسكت بها البلاد المغربية والأندلس، وشاعت فيما بعد بالسودان الغربى وبرنو والكانم، فشيوعها فى السودان إنما هو عن طريق من نزلها من المغاربة أمثال التلمسانى.
وحرى بنا أن نذكر مؤرخين سودانيين مهمين هما ود ضيف الله أو محمد بن ضيف الله الجعلى المتوفى سنة ١٢٢٤ هـ/١٨١٠ م صاحب كتاب الطبقات فى خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء فى السودان وهو كتاب نفيس ترجم فيه-كما ذكرنا-لنحو مائتين وخمسين صوفيا وعالما وشاعرا فى عصر دولة الفونج بسنار، ولأهميته طبع أكثر من مرة، وعليه اعتمدت فى دراسة الحياة الصوفية والعلمية أيام الفونج وبالمثل الحياة الاجتماعية وخاصة عن المرأة. ويلى هذا المؤرخ وكتابه فى الأهمية كتاب الشيخ أحمد كاتب الشونة-والمراد بالشونة مخزن الغلال- وهو فى تاريخ السلطنة السنارية والإدارة المصرية ويبدو وأنه كان موظفا فى تلك الإدارة، فأرّخ لدولة الفونج فى سنار وللإدارة المصرية فى الخرطوم والسودان.
ولعل فى كل ما قدمت ما يدل على أن دولة الفونج أحدثت فى السودان نهضة علمية حقيقية كان عمادها القرآن الكريم وترتيله وقراءته وتفسيره والحديث النبوى والفقه وما يتصل به من علم الأصول والعربية بعلومها المختلفة. غير أن الدولة ضعفت فى عهدها الأخير مما أتاح لمحمد على ضم السودان إلى مصر، واستحالت الخرطوم إلى مدينة كبيرة، وأصبحت عاصمة