وواضح أننا لا نصل إلى القرن العاشر الهجرى إلا وقد أخذت أجزاء من السودان تتعرب نهائيا مثل حدارب البجة، وأجزاء أخرى أخذت تضيف العربية إلى لغتها الأصلية كما فى البجة والنوبة وبعض جوانب الغرب فى دارفور، ما عدا سكان قبيلة القمر فإنهم تكلموا العربية ونسوا لغتهم الأصلية. وتؤسّس دولة الفونج فى سنار سنة ٩١٠ هـ/١٥٠٤ م وتعلن أنها دولة إسلامية فى نظمها السياسية والإدارية وأن العربية لغتها الرسمية وكتبت بها وثائقها، وشجعت العلماء على تدريس الفقه والعلوم الإسلامية والعربية وأخذت تحدث نهضة علمية فى بلادها التى امتدت شمالا حتى الشلال الثالث وشرقا حتى حدود الحبشة والبحر الأحمر وغربا حتى بعض مناطق كردفان وجنوبا حتى منطقة نهر السوباط وبحر الغزال، فكل هذه المناطق عمت فيها دولة عربية إسلامية-هى دولة الفونج-لمدة ثلاثة قرون، بحيث نستطيع أن نقول إن السودان تعرّب فى عهد هذه الدولة. ومرّ بنا ما كان بها من طرق وتجمعات صوفية وما كان بها من نهضة ثقافية، وتأسست فى جبال النوبا غربى السودان الأوسط مملكة تقلى سنة ٩٧٧ هـ/١٥٧٠ م وظلت إلى أواخر القرن التاسع عشر وقد عملت بقوة على إتاحة الفرصة للعناصر العربية بالتوغل فى الشمال الشرقى من تلك الجبال، ووضعت نصب عينيها نشر الإسلام والعربية وشجعت القبائل العربية فى حوض النيل وشرقى السودان على الهجرة إليها. وتأسست فى دارفور سلطنة أسستها قبائل التنجور القادمة من بلاد النوبة وقبائل الكنجارة القادمة من إقليم بحيرة تشاد، ويبدو أنهم كانوا من عرب الهلالية الذين اكتسحوا تونس فى القرن الخامس الهجرى إذ كانوا ينتسبون إلى أبى زيد الهلالى. وقامت هذه السلطنة سنة ١٠٤٦ هـ/١٦٣٧ م وظلت حتى سنة ١٢٩١ هـ/١٨٧٥ م وتبعتها واداى وبرنو فى عهد ملكها الأول سليمان سلونج، وعملت هذه المملكة طوال عهدها على نشر الإسلام والعربية، ومثلها كردفان. وكان بدوى أبو صفية يأتى ببعض أهل جبال النوبا إلى مدينة الأبيض، فيحفظهم القرآن الكريم والضرورى من الفقه وعلم التوحيد، ويعيدهم إلى بلادهم لنشر الإسلام.
ويمكن القول بأننا لا نصل إلى أواخر عهد دولة الفونج فى أوائل القرن التاسع عشر الميلادى إلا وقد تعرّب السودان، ما عدا بعض الجبال الشاهقة المنعزلة التى لم يتح للقبائل العربية الاختلاط بسكانها مثل جبل مرة فى أقصى الغرب وما عدا سكان قبيلة الأمرأر من قبائل البجة بجوار الحبشة لوعورة المسالك إليها مما جعلها تتأخر فى التعرب بالقياس إلى أخواتها من قبائل البجة. ووصل التعرب إلى بيئة الغابات فى الجنوب عن طريق بعض القبائل العربية مثل البقارة فى كردفان وبنى سليم عند كاكا على النيل الأبيض، ولهم فضل تعرب الشلك ومثل اختلاط عرب الزريقات بقبائل الدينكا فى بحر العرب. وأكثر أجزاء هذا التعرب كانت تستخدم لغاتها المحلية بجانب العربية، وأخذ هذا التعرب يستقر ويتسع مع مر الزمن طوال القرن التاسع عشر.