للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زمان تولّى كان فيه جدودنا ... ليوثا يقودون الخميس العرمرما (١)

إذا ابتسموا فالخلد فى بسماتهم ... وإن عبسوا فالكون صار جهنّما

وإن عصروا عود الزمان أطاعهم ... ولان لهم عاصيه حتى تقوّما

وإن ضربوا دكّوا القلاع بعزمهم ... وأوموا إلى بنيانها فتهدّما

شموس سماء المجد أيان أشرقوا ... بدور الدياجى حيث كانوا وأنجما

لقد نصروا الدين الحنيف وسدّدوا ... إلى الكفر سهما فى الفؤاد مصمّما

وساسوا فما جاروا ولا تبعوا هوى ... ولا حمّلوا النّفس الضعيفة مغرما

إلى أن دعا داعى الرّدى فتتابعوا ... نجوما هوت فالكون أصبح مظلما

وهو يصور المجد التاريخى العظيم لأمتنا العربية فى الأزمنة الغابرة، ذاكرا أن زمانا مضى كان جدودنا فيه أسدا ضارية، إذا رضوا وابتسموا فكأنما فتحت أبواب الجنان، وإذا عبسوا ونازلوا قوما فقد أصبح الكون نارا حامية، وإن عصروا عود الزمان انعصر لهم، وإن عصا قوّموه حتى ينعصر، وإن ضربوا دكّت القلاع بعزمهم الجبار، بل لو أشاروا إلى بنيانها لخرّ منقضّا. هم شموس سماء المجد فى كل مكان يحلون فيه وبدور الدياجى فى كل بقعة ينزلونها ونجوم ساطعة، وطالما نصروا الدين الحنيف وسددوا إلى صدور الكفر وأفئدته سهاما مصمية. وساسوا الأمم والشعوب سياسة عادلة لا تميل مع الهوى، مليئة بالرحمة للضعفاء فلا تحمّلهم مغرما، ودار بهم الزمان دورات إلى أن دعاهم داعى الموت فتتابعوا نجوما تهاوت وأصبح الكون مظلما. وينشد الشيخ محمد سعيد العباسى حماسية فى الحرب الطرابلسية الإيطالية سنة ١٣٣٠ هـ‍/١٩١٢ م، وقد انتصر الطرابلسيون فى بعض المواقع، وفيها يقول (٢):

يروم بنو روما طرابلسا وقد ... غزوها بحيش ضاق ذرعا به القفر (٣)

أثاروا وغى دارت رحاها عليهم ... وراموا بها فخرا ففاتهم الفخر

أعدّوا لها من عدّة الحرب كلّ ما ... يضيق به التعداد والبرّ والبحر

وقد زعموا أن سوف ينجح سعيهم ... ولكنه زعم الأضاليل والهذر

أبيدوا فكانوا عبرة الناس بعدهم ... وحلّق فى آثار موتاهم النّسر

وهو يقول إن أبناء روما قصدوا طرابلس بجيش كثيف ضاق به القفر وسعا، ودارت رحا حرب ضارية أراد بها الطليان فخرا ففاتهم، مع ما أعدوا للحرب من عدة وأسلحة لا يحيط بها العد والإحصاء ولا البر والبحر، وزعموا أن نصرهم قريب وهو زعم أضاليل وهذيان فقد


(١) الخميس العرمرم: الجيش الكثيف الكثير.
(٢) شعراء السودان ص ٢٨٨ وكتاب محمد سعيد العباسى للدكتور أحمد عبد الله سامى (طبع الخرطوم) ص ٢٣٩ وانظر ديوانه.
(٣) ذرعا: وسعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>