للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أبو بكر أول من أسلم من الرجال، وكان أحبّ رفيق إلى الرسول وألصق أصحابه به، وقد نوّه القرآن بذكره. فقال جلّ شأنه: {(فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَاِتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى)}، وفيه نزلت آيات أخرى. وهو خير من يمثّل المسلم بأخلاقه وفضائله وحميته للدين وتأثره بهدى القرآن الكريم ورسوله تأثرا استحوذ على كل نفسه، فإذا لسانه يتدفق تدفق السيل، بما استشعر من معانى الإسلام وقيمه الروحية. وقد أثرت عنه خطب كثيرة. تدل دلالة واضحة على شدة شكيمته فى الدين ويقظته وصدق حسّه، وأنه حقّا كان أجدر أصحاب رسول الله بخلافته. فمن ذلك أنه-لما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى واضطرب الناس وماجوا، وقالوا وقال معهم عمر بن الخطاب: إن الرسول لم يمت-أقبل فكشف عن وجهه، فقبّله، وقال: بأبى أنت وأمى طبت حيّا وطبت ميتا. وخرج من عنده فبدر الصحابة بخطبته المشهورة (١) التى قال فيها: «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حىّ لا يموت» ثم أخذ فى بيان غلط من كذبوا موته محتجّا عليهم بمثل قوله تعالى: {(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) وتلا: {(وَما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ثم تلا: {(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ثم تلا: {(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ).} فثاب من كذبوا موته رضوان الله عليه إلى رشدهم.

ولم يلبث أن عرف أن الأنصار قد اجتمعوا إلى سعد بن عبادة فى سقيفة (٢) بنى ساعدة، يقولون: منا أمير ومن قريش أمير، فراعه ذلك وخشى على الأمة من الفرقة والطمع فى الملك، فبادر إليهم قبل أن يستفحل الشر. وتبعه عمر وأبو عبيدة فى نفر من المهاجرين. وهناك خطب فى الأنصار، فأقنعهم أن يجتمعوا على رجل من قريش، وتمت البيعة له، فخطب فى الناس بعد أن حمد الله وأثنى عليه وقال (٣):

«أيها الناس! إنى قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن رأيتمونى على حقّ فأعينونى، وإن رأيتمونى على باطل فسدّدونى. أطيعونى ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيته فلا طاعة لى عليكم. ألا إن أقواكم عندى الضعيف حتى آخذ


(١) الطبرى ٢/ ٤٤٤ وزهر الآداب ١/ ٣٠.
(٢) الطبرى ٢/ ٤٤٥ وما بعدها.
(٣) عيون الأخبار ٢/ ٢٣٤ والطبرى ٢/ ٤٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>