للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحق له، وأضعفكم عند القوىّ حتى آخذ الحق منه، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولكم».

وأخذت تتجلّى مواقفه العظيمة ومآثره الكريمة، فإنه أمر أن يخرج بعث أسامة إلى وجهته من حرب الروم كما أمر الرسول. وكان كثير من العرب قد منعوا الزكاة، ومشى إليه كثير من المهاجرين والأنصار، يقولون له لا قبل لنا بحرب العرب، فاقبل الصلاة منهم واترك الزكاة، فقال قوله المأثور:

«لو منعونى عقالا (١) مما أعطوه النبى لجاهدتهم عليه»، وجاهدهم بجيوشه، حتى عادوا إلى الإسلام بعد ردّتهم. وإذا أخذنا نقرأ فى خطبه وجدنا جمهورها وعظا يستمد مادته من القرآن وكلام الرسول، على شاكلة قوله فى خطبة له (٢):

«إن الله عز وجل لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه فأريدوا الله بأعمالكم، واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فطاعة أتيتموها، وحظ ظفرتم به، وضرائب أدّيتموها، وسلف قدمتموه، من أيام فانية لأخرى باقية، لحين فقركم وحاجتكم. اعتبروا عباد الله بمن مات منكم، وتفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم؟ أين الجبّارون؟ . . أين الذين بنوا المدائن وحصّنوها بالحوائط وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية، وهم فى ظلمات القبور، هل تحسّ منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا (٣). . . ألا إن الله لا شريك له، ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه به سوءا إلا بطاعته واتباع أمره.

واعلموا أنكم عبيد مدينون، وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته، أما إنه لا خير بخير بعده النار، ولا شر بشرّ بعده الجنة».

واستنّ بجانب مثل هذه الموعظة سنة الوصية للجيوش الفاتحة، وهو فى وصاياه يصدر عن روح الإسلام السمحة وتعاليمه السامية فى معاملة المسلمين لمن يغلبون عليهم، إذ يطلب إليهم أن لا يخونوا ولا يغدروا ولا يمثّلوا بقتيل ولا يقتلوا طفلا صغيرا ولا شيخا كبيرا ولا امرأة، ولا يفسدوا زرعا ولا يستحلّوا مالا إلا


(١) العقال هنا: كناية عن البعير.
(٢) الطبرى ٢/ ٤٦٠.
(٣) الركز: الصوت الخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>