وكان هناك جماعة من الكتّاب يكتبون آياته-كما قدّمنا-بين يدى الرسول من مثل عثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب وأبىّ بن كعب وزيد ابن ثابت. وكان يكتب له فى حوائجه خالد بن سعيد بن العاص ومعاوية ابن أبى سفيان. وكان يكتب ما بين الناس المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير، كما كان يكتب بينهم فى قبائلهم ومياههم عبد الله بن الأرقم والعلاء بن عقبة الحضرمى. وكان حنظلة بن الربيع يخلف كل كاتب من كتّاب الرسول إذا غاب، فغلب عليه لقب الكاتب (١).
ومعنى ذلك كله أن الكتابة أخذت منذ هذا العصر تستخدم على نطاق واسع لا فى كتابة القرآن فحسب، بل فى كتابة كل ما يهمّ المسلمين فى معاملاتهم وعقودهم. وكان الرسول عليه السلام يستخدمها فى جميع مواثيقه وعهوده، كذلك كان الخلفاء الراشدون من بعده، وتكتظ كتب الحديث والتاريخ والأدب بهده العهود والمواثيق، سواء منها ما كان على لسان الرسول وما كان على لسان خلفائه. وقد استطاع محمد حميد الله الحيدرآبادى أن يجمع طائفة ضخمة منها سماها «مجموعة الوثائق السياسية فى العهد النبوى والخلافة الراشدة» وقد قدم لها ببحث عن مقدار الثقة بها، وجمهورها مما لا يرقى إليه الشك. وهى تفتتح بالكتاب الذى كتبه الرسول حين نزل المدينة بين المهاجرين والأنصار واليهود المقيمين بها. ونقف قليلا عند هذا الكتاب لنبين أهمية هذه الوثائق ومدى تطويرها للنثر الكتابى عند العرب، فقد أخذ هذا النثر يحمل تشريع دولة الإسلام الجديدة وما يطوى فيه من تعاليم الدين الحنيف وحدوده وفرائضه وأول ما يلقانا فى هذا الكتاب أن جميع أهل يثرب:«أمة واحدة من دون الناس» وهى أمة لا ترتبط بروابط النسب المعروفة فى القبيلة وإنما ترتبط بروابط الدين. وعلى هذه الأمة أن تتعاون ضد كل من يبغى عليها منها أو من غيرها، وأن تكفل فى داخلها مبادئ السلام كما تكفل حماية الجار ونصرة المظلوم. ومن تبعها من غير دينها له النصرة والأسوة إلا من ظلم وأثم. وهى أمة