للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعلوها سلطان الله الذى يردّ إليه وإلى رسوله كل اختلاف وكل حدث أو اشتجار يخاف شرّه.

والكتاب بذلك كله يرينا تكوين الجماعة الإسلامية والعلاقات التى تربط بين أفرادها، وهو يوضّح هذه العلاقات فى داخل العشائر كدفع الدّية والولاء، كما يوضح العلاقات بين أعضاء الجماعة الكبرى التى يشرف عليها الله ورسوله، وهى علاقات وثّقتها روابط الدين توثيقا شديدا، بحيث أصبح كل ما يدعو إلى اشتجار مردّه إلى هذا الدستور الدينى الجديد، الذى يلغى الفوارق القبلية، ويقيم العدل والمساواة، ولا يدع للناس حق الأخذ بالثأر، بل يرده إلى الله ورسوله، فلا ثأر يجر ثأرا بل عقاب عادل بالمثل فى القتل وغير القتل.

ونمضى فى تلك الوثائق فنقرأ المعاهدة التى كتبها الرسول بينه وبين قريش عام الحديبية (١) والتى نصّت على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، ذمة لا تنكث «وأنه من أحبّ أن يدخل فى عقد محمد وعهده دخله ومن أحب أن يدخل فى عقد قريش وعهدهم دخل فيه». ونقرأ بعد ذلك كتابه إلى يهود خيبر ثم قسمة أموالها. وتتوالى كتبه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام والتصديق برسالته، وممن دعاه النجاشى ملك الحبشة وهرقل ملك الروم والمقوقس صاحب مصر.

وكما يكتب إلى الملوك يكتب إلى أساقفة الشام وأمرائها وولاة شرقى الجزيرة من قبل كسرى، وكذلك جنوبيها. وقد يكتب إلى القبائل نفسها. وتلقانا معاهدته مع أهل نجران (٢)، وفيها يبيّن ما عليهم من خراج ثم يقول: «ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبى رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. ولا يغيّر أسقف من أسقفيّته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته. وليس عليهم دية ولا دم جاهلية. . . ومن سأل منهم حقّا فبينهم النّصف غير ظالمين ولا مظلومين».

وعلى هدى هذا الكتاب كانت كتب أبى بكر وعمر التى كتباها إلى أهل البلاد المفتوحة. وتلقانا بعد ذلك عهوده إلى الأمراء الذين أبقاهم على إماراتهم فى


(١) مجموعة الوثائق السياسية فى العهد النبوى والخلافة الراشدة (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص ١٣
(٢) مجموعة الوثائق السياسية ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>