للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القبائل وفى اليمن، كما تلقانا عهوده إلى من كان يرسل بهم لتعليم الناس فى آفاق الجزيرة شئون دينهم، وما ينبغى أن يأخذوه منهم من الزكاة، وقد يرسل بذلك إلى بعض أمرائهم. ومن خير ما يصوّر هذه العهود كتابه (١) إلى عامله باليمن، وفيه يأمره بتقوى الله والأخذ بالحق وأن يعلّم الناس القرآن ويفقههم فيه كما يعلمهم أوامر الدين ونواهيه وما فرض عليهم من الحج إلى بيته المقدّس ومن الصلاة، وإيتاء الصدقات ويرسم له حدودها على الزروع والثمار والأنعام والأغنام وأن من زاد خيرا فهو خير له.

وعلى هذا النحو اتسعت الكتابة على عهد الرسول، إذ أصبحت تؤدّى تعاليم الدين الحنيف، وكل ما أقامه لصلاح الجماعة الإسلامية وسعادتها، وكل ما فرضه من معان إنسانية فى معاملة من يدخلون فى لوائه وفى ذمة الله وعقده.

ويتولّى أبو بكر الصديق مقاليد خلافة الرسول، ويرتدّ كثير من العرب، فيجند لهم الجيوش ويبعث مع قادتها بكتاب مفتوح يدعو الناس فيه إلى الاعتصام بدين الله وأن من استجاب وكفّ وعمل صالحا قبل منه وأعين عليه، ومن أبى فلن يعجز الله وقوتل حتى يقرّ بالحق. وأتبع ذلك بعهد لأمراء الأجناد ضمّنه نفس هذه المعانى وأن يستوصوا بالمسلمين فى حسن الصحبة ولين القول.

وما زال يتراسل معهم حتى رئب الصدع. وتتحول الأجناد بأمرائها إلى الفتوح، فيكتب لهم ناصحا على نحو ما كتب لخالد بن الوليد (٢). وتلقانا له منذ هذا التاريخ كتابات وعهود مختلفة كان يرسل بها إلى رؤساء الأجناد فى البلاد المفتوحة. وكان آخر ما كتبه عهده لعمر، وفيه يقول: «إنى استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن برّ وعدل فذلك علمى به ورأيى فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لى بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون».

وولى عمر، فتمت فى عهده فتوح إيران والشام ومصر، ومع كل بلد تفتح كان أمراء الأجناد يكتبون لأهلها العقود والعهود، وكان عمر لا ينى


(١) مجموعة الوثائق السياسية ص ١٠٤.
(٢) مجموعة الوثائق السياسية ص ٢٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>