للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن مراسلتهم فى كل ما يهمّ من الأمر، سواء فيما يتصل بالحرب وتنظيم الجيوش أو فيما يتصل بمعاملة أهل البلاد المفتوحة وما يعطى لهم من عهود، وعهده لأهل إيليا (بيت المقدس) الذى أشرنا إليه فى غير هذا الموضع مشهور، وفيه يقول (١):

«هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملّتها: أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيّزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود. وعلى أهل إيليا أن يعطوا الجزية. . وعلى ما فى هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين». وواضح أن عمر ترسّم فى هذا العهد عهد الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران. وعلى نحو ما كان يستلهم صنيع الرسول فى عهوده كان يستلهم وصاياه لولاته فى سياسة الناس ومعاملتهم بإحسان، ومن خير ما أثر عنه فى هذا الجانب رسالته إلى أبى موسى الأشعرى واليه على البصرة، وهى تمضى فى البيان والتبيين على هذا النحو (٢):

«بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنّة متّبعة، فافهم إذا أدلى إليك، فإنه لا ينفع تكلّم بحق لانفاذ له. آس بين الناس فى مجلسك ووجهك، حتى لا يطمع شريف فى حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك. البيّنة على من ادّعى، واليمين على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرّم حلالا أو أحلّ حراما. ولا يمنعنّك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك، أن ترجع عنه إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادى فى الباطل. الفهم الفهم عند ما يتلجلج فى صدرك، مما لم يبلغك فى كتاب الله ولا فى سنة النبى صلى الله عليه وسلم.

اعرف الأمثال والأشباه، وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد إلى أحبّها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. واجعل للمدعى حقّا غائبا أو بينة أمدا ينتهى إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا وجّهت عليه القضاء، فإن ذلك أنفى للشك


(١) مجموعة الوثائق السياسية ص ٢٦٨.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ٤٨ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>