للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجلى للعمى وأبلغ فى العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا فى حدّ أو مجرّبا عليه شهادة زور أو ظنينا (١) فى ولاء أو قرابة، فإن الله قد تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم بالبيّنات والأيمان. ثم إياك والقلق والضجر والتأذّى بالناس والتنكر للخصوم فى مواطن الحق، التى يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذّخر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تبارك وتعالى، ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزيّن للناس بما يعلم الله منه خلاف ذلك هتك الله ستره وأبدى فعله. والسلام عليك».

والرسالة وثيقة مهمة فيما ينبغى أن يكون عليه الحاكم قاضيا أو غير قاض من الرفق برعيته ومعاملة جميع أفرادها على قدم المساواة. وعمر يضع فيها أسس النظر فى الادعاء وفى الصلح بين المتخاصمين، ويفتح الباب واسعا أمام من يقضى فى شأن من شئون الرعية ويتبين خطأ قضائه أن يرجع فيه. وما يلبث أن يضع للحاكم الأصول التى يصدر عنها فى أحكامه، وهى الكتاب والسنة فإن لم يجد فيهما ما ينير له الحكم اجتهد برأيه معتمدا على القياس. ويجعل للمدعى أمدا ينتهى إليه. ويقول إن الأصل فى المسلم أن يكون عدلا، إلا أن تنتفى عدالته فلا تصح شهادته. ويوضّح للحاكم قاضيا أو غير قاض موقفه من الخصوم فلا يتأذّى بهم ولا يتنكر لهم. وقد ترك وصية (٢) للخليفة من بعده تعدّ دستورا رفيعا للحكم، سواء فيما يتصل بحكم المسلمين أو حكم أهل الذمة وما ينبغى أن يؤخذوا به من الرفق.

وفى الحق أننا لا نصل إلى عهد عمر حتى تصبح الكتابة جزءا أساسيّا فى أعمال الدولة، وحتى تتضمن كل تعاليمها وكل ما رسمته للمسلمين وأهل الذمة من العلاقات السياسية والاقتصادية فى الخراج وقسمة الغنائم وكل ما يتصل بالأنظمة فى الشعوب المفتوحة. وعمر فى ذلك كله يستلهم القرآن والسنة النبوية، ويستشير أصحابه فى كل ما يأخذ من أمر ويدع، وهو فى ثنايا ذلك يجتهد ويفتح الباب لاجتهاد أصحابه. فإذا قلنا بعد ذلك إن الكتابة رقيت فى العصر رقيّا بعيدا لم نكن مغالين. إذ وسعت كل الحاجات السياسية التى جدّت،


(١) ظنينا: متهما.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>