للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الانتقاض باهظا فى موقعة الحرة سنة ٦٣ للهجرة، وكأن ذلك كان سحابة عارضة فى سمائها لهذا العصر، فبمجرد انقشاع تلك السحابة خلدت إلى صفو الحياة ونعيمها، ولم يعكّر عليها هذا الصفو و؟ ؟ ؟ شئ، فقد تجنّبت السياسة، ونقرأ فى أخبار أهلها فنجدهم ينعمون ‍عام؟ ؟ ؟ المختلفة (١) رافلين رجالا ونساء فى الثياب الحريرية (٢) وأنواع الطيب والعطور (٣)، وبالغ النساء خاصة فى اتخاذ صنوف الحلى والجواهر (٤).

وطبيعى أن يكثر فى هذا المجتمع المتحضر المترف الشباب العاطل الذى يريد أن يقطع أوقات فراغه الطويل فى لهو برئ، وسرعان ما قدّم له الرقيق الأجنبى ما يريد من هذا اللهو، إذ عنى بالغناء عناية بالغة، عناية استحدث فى أثنائها نظرية الغناء العربية التى نقرأ رقمها فى كتاب الأغانى تالية للأصوات أو كما نقول اليوم الأدوار، وقد جعلوها ستة ضروب، هى الثقيل الأول والثقيل الثانى وخفيف الثقيل والرّمل وخفيف الرمل والهزج، وميّزوا مجرى الصوت فيها بحسب الأصابع، فقالوا مثلا: ثقيل أول بالوسطى وخفيف ثقيل بالسبّابة وخفيف رمل بالبنصر.

واكتمال هذه النظرية على أيدى الرقيق الأجنبى يؤكد أنها تأثرت تأثرا واسعا بألحان الروم والفرس، وليست المسألة مسألة افتراض فإن كبار المغنين الأولين فى المدينة يؤثر عنهم أنهم كانوا يغنون الغناء الفارسى بجانب غنائهم العربى (٥)، وكان هناك من يشخص إلى الشام فيتعلم ألحان الروم (٦). على أنه ينبغى أن لا نظن من ذلك أن نظرية هذا الغناء العربى نقلت نقلا عن الأجانب فقد تأثرت بغنائهم، ولكنها استوت فى صورة عربية مستقلة. ومما يؤكد ذلك أن مصطلحاتها جميعا عربية وأن من قاموا عليها من الرقيق الأجنبى ولدوا فى بلاد العرب جميعا، ما عدا نشيطا الفارسى. وكانت العادة أن يبدأوا


(١) ابن سعد (طبعة أوربا) ٤/ ١٢٦.
(٢) ابن سعد ٨/ ٣٥٢ والأغانى ٦/ ١٣ والمعارف ص ٢٧٤ والأغانى ١/ ٣١٠.
(٣) أغانى ٩/ ٢٦٢.
(٤) ابن سعد ٨/ ٣٤٣ وأغانى ٨/ ٢٧٣، ٢٧٨.
(٥) أغانى (طبعة دار الكتب) ١/ ٣٨، ٨/ ٣٢١.
(٦) أغانى ١/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>