للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على كل لون (١)، والطيب وأنواع العطور تفوح منهم (٢). وبالغ النساء فى ذلك كله وفى اتخاذ الحلى وصنوف الجواهر (٣).

واكتظت مكة-كما اكتظت المدينة-بالرقيق الأجنبى الذى نهض بحاجات أهلها فى مطاعمهم ومشاربهم وتوفير كل أدوات ترفهم. وكان من أهم ما نهض به الرقيق فن الغناء، ونحس ضربا من التعاون الوثيق بين أصحاب هذا الفن فى مكة وأصحابه فى المدينة، فهم دائما يلتقون، حتى ليخيّل إلى الإنسان كأنما كانت إحدى البلدتين ضاحية للأخرى. وكل مغن يحاول أن يبلغ من إتقان هذا الفن مبلغا بعيدا يستهدى فيه ذوقه وما قد يكون عرفه من ألحان الفرس والروم، ومن مقدّميهم وكبارهم فى مكة ابن مسجح الذى اشتهر بأنه أول من غنّى الغناء المتقن، وأنه «نقل غناء الفرس إلى غناء العرب، ثم رحل إلى الشام وأخذ ألحان الروم والبربطيّة والأسطوخوسيّة، وانقلب إلى فارس فأخذ بها غناء كثيرا، وتعلّم الضرب، ثم قدم إلى الحجاز وقد أخذ محاسن تلك النغم، وألقى منها ما استقبحه من النبرات التى هى موجودة فى نغم غناء الفرس والروم خارجة عن غناء العرب، وغنّى على هذا المذهب، فكان أول من أثبت ذلك ولحّنه وتبعه الناس بعد» (٤). وعن هذا الأستاذ المبدع أخذ المغنون والمغنيات فى مكة، ومن أنبههم وأشهرهم ابن محرز، وهو أول من غنى الرّمل (٥)، وابن سريج وقد رحل إلى المدينة فأخذ عن طويس وغيره من مغنيها (٦)، وكان أول من ضرب على العود الفارسى بالغناء العربى، والغريض وكان لا يلحق فى الندب والنياحة، والأبجر، والهذلى. ومن مغنيات مكة سميّة، وبغوم وأسماء وكانتا مولاتين لابن أبى ربيعة. ومكة إن لم تعرف بدار كبيرة كدار جميلة فى المدينة فإن دار كل مغن فيها كانت تعدّ ناديا من نوادى الغناء.

وعلى نحو ما رأينا أهل المدينة يشغفون بالغناء شغفا شديدا كان أهل


(١) أغانى ٥/ ٦٥.
(٢) أغانى ٢/ ٣٩٩، ٣/ ٤٧.
(٣) أغانى ٨/ ٢٧٣، ٨/ ٢٧٨ وانظر ابن سعد (طبعة أوربا) ٨/ ٣٤٣.
(٤) أغانى ٣/ ٢٧٦.
(٥) أغانى ١/ ٣٧٩.
(٦) أغانى ٨/ ٣٢١.

<<  <  ج: ص:  >  >>