للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضها ببعض، وإن كان من المحقق أن ذلك لم يأخذ الشكل الحادّ الذى كان عليه القوم فى الجاهلية، بسبب نهى الإسلام عن الأخذ بالثأر وتحوّل حقه من أيدى الأفراد إلى أيدى الدولة، وكان ولاة بنى أمية فى نجد وبوادى الحجاز يقظين، وكانوا إذا تفاقم الشر من بعض الأفراد زجّوا به فى السجون. غير أن بقية من الشر والشّجار بقيت، وهى بقية استتبعت ظهور بعض قطّاع الطرق من أمثال طهمان (١) بن عمرو الكلابى الشاعر، كما استتبعت غير قليل من شعر الفخر والهجاء، على نحو ما نجد فى مهاجاة (٢) شبيب بن البرصاء الذّبيانى لعقيل بن علّفة وأرطاة بين سهيّة، ومهاجاة (٣) ابن ميّادة الذبيانى للحكم الخضرى.

ودفع شظف المعيشة فى هذه البيئة البدوية كثيرين من شعرائها للوفود على الخلفاء فى دمشق والولاة فى مكة والمدينة والكوفة والبصرة يطلبون نوالهم، ومن ثمّ كانوا يترددون بين البدو والحضر. ولا نبعد إذا قلنا إن شعراء شرقىّ الجزيرة من ربيعة وتميم وعبد القيس كانوا دائمى الارتحال إلى الخلفاء والولاة والقواد والأجواد وكان منهم من تقذف به رحلاته إلى خراسان.

ومرّ بنا أن كثيرا من العرب المتبدين ارتدّوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنعوا الزكاة، وقد قضى أبو بكر على هذه الرّدّة، واستجابت الجزيرة لهذا الغرض الدينى راضية مرضية. ويظهر أن بعض عمّال الصدقات كان يقسو فى جمعها على العرب أحيانا، ومن ثم ارتفعت أصوات فى هذا العصر الأموى تشكو منهم شكوى مرة (٤).

ولا بد أن نلاحظ أن نشاط الشعر فى نجد وبوادى الحجاز لهذا العصر كان أقل مما كان عليه فى الجاهلية، بسبب ما قدمنا من إماتة الإسلام لفكرة الأخذ بالثأر التى سعرت الشعر والشعراء قديما وما انطوى فيها من عصبيات، وحقّا هو لم يمت ذلك نهائيّا ولكنه قلل من حدّته. ومن أسباب ضعف نشاط الشعر أيضا كثرة من هاجروا فى الفتوح شرقا وغربا، إذ كانت عشائر ترحل


(١) انظره فى أخبار اللصوص للسكرى ١٠٠.
(٢) أغانى (طبع دار الكتب) ١٢/ ٢٧١ وما بعدها.
(٣) أغانى ٢/ ٢٩٨.
(٤) انظر جمهرة أشعار العرب (طبع المطبعة الرحمانية) ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>