برمّتها. على أن هذا أحدث حزنا فى نفوس كثيرين سبق أن وصفناه فى عصر صدر الإسلام.
ضعف نشاط الشعر إذن فى هذه البيئة البدوية، ولكنه إذا كان ضعف فى مجال الفخر والهجاء فإنه قوى قوة واسعة فى مجال الغزل، إذ تكاثر شعراؤه كثرة مفرطة وتكاثرت قصصه الغرامية، وخاصة فى بنى عذرة وبنى عامر.
وقد ترجم أبو الفرج فى أغانيه لكثيرين منهم مثل جميل وعروة بن حزام وقيس ابن ذريح، ووقف طويلا عند مجنون ليلى وشكّ فى حقيقته، وهو يصوّر بما يضاف إليه من قصص كثير كيف أصبح هذا الغزل شعبيّا، وكأن عرب نجد وبوادى الحجاز أفرغوا فيه وفى أفراده صور البطولة التى فقدوها فى حياتهم الإسلامية بسبب خمود حروبهم الداخلية.
وغزل هؤلاء النجديين من أروع صور الغزل العربى، لما أشاعوا فيه من نبل وسمو وطهارة ونقاء. وعادة ينسبه الأدباء والمؤرخون إلى بنى عذرة، لكثرة ما أنتجت فيه، فيقولون غزل عذرى وهو غزل يمسح عليه الإسلام وما أحاط به المرأة من جلال ووقار وما حرّم من الآثام ظاهرة وباطنة. وكان مما ساعد عليه شعور الحزن الذى وصفناه فى غير هذا الموضع والذى كان يجلل أطراف الجزيرة لمن هاجروا منها عن عشائرهم وأهليهم، ودائما يصفى الحزن النفس وينقيها ويعدّها حين تتحدث عن الحب أن تشجى حقّا وأن تؤثر فى النفوس تأثيرا بالغا.
وإذا تركنا نجدا وبوادى الحجاز إلى أطراف الجزيرة الشمالية على حدود الشام والجزيرة وجدنا كثيرا من عشائر قيس وبطونها وخاصة من كلاب وعامر وسليم تنزح إلى الشمال فتزاحم قبيلة كلب وأخواتها اليمنية فى الشام وقبيلة تغلب فى الجزيرة. ويكون ذلك سبب خصام قبلى واسع، تصطدم فيه المصالح الاقتصادية فى الرّعى وغير الرعى كما تصطدم المصالح السياسية، فقد كانت كلب وأخواتها اليمنية موالية لبنى أمية، وكذلك كانت تغلب، فكان طبيعيّا أن تقف قيس فى الصفوف المعادية حين تواتيها الفرصة. ولم تلبث الفرصة أن سنحت حين بدا انهيار بنى أمية عقب وفاة يزيد بن معاوية ودعوة ابن الزبير لنفسه بالخلافة،