للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان الجحّاف ممن فتكوا بتغلب تحت لواء عمير بن الحباب. وقد ظل يموج به الغضب والأخطل ينشد قصيدته حتى إذا فرغ منها أجابه:

نعم سوف نبكيهم بكل مهنّد ... ونبكى عميرا بالرماح الخواطر (١)

ومضى الجحاف، فأغار بقومه بنى سليم سنة ٧٣ على تغلب عند موضع يسمى البشر، فنكّل بها تنكيلا فظيعا، إذ قتل رجالهم ونساءهم وبقر بطون حواملهم، وكان ممن قتله ابن للأخطل، أما الأخطل نفسه فوقع أسيرا، غير أنه موّه على بنى سليم حقيقته وقال: إنه من عبيد تغلب، فأطلقوه وهم لا يعرفونه.

ولما رأى الجحاف أنه خرج بذلك على ميثاقه لعبد الملك لحق بأرض الروم خوفا منه، ولكن قيسا ما زالت تتوسل إلى عبد الملك أن يعفو عنه حتى أمّنه، غبر أنه ألزمه أن يدفع ديات قتلى البشر فلجأ إلى الحجاج فأداها له، وتألّه الجحّاف بعد ذلك ونسك (٢).

وإنما سقنا هذه الأحداث، لأن العصبية الجاهلية عادت فيها جذعة بين قيس من جهة وكلب وتغلب من جهة أخرى وعاد معها الثأر، حتى أصبح فوق كل شئ، وحتى أصبحنا نسمع فى كل مكان النار ولا العار، واشتطّوا فى القتل وسفك الدماء اشتطاطا، إذ بقروا بطون الحوامل وقتلوا النساء.

وعودة العصبية القبلية على هذا النحو هيأت فى قوة لعودة أشعار الفخر والهجاء، ففى كل جانب يتصايح الشعراء منذرين خصومهم بالويل والثبور، ويفيض الجزء الخامس من كتاب أنساب الأشراف للبلاذرى بأشعارهم، ونجد من ذلك آثارا فى الطبرى ينشدها مع الأحداث فى موقعة مرج راهط (٣) وغيرها.

وآثارا أخرى كثيرة فى كتاب الأغانى (٤)، فقد تراصّ شعراء كلب من أمثال جوّاس ابن القعطل وعمرو بن المخلاة ومنذر بن حسان وشعراء تغلب وعلى رأسهم الأخطل، كما تراصّ شعراء قيس وعلى رأسهم زفر بن الحارث وعمير بن الحباب وجهم


(١) خطر الرمح: اهتز فى يد فارسه.
(٢) أغانى ١٢/ ١٩٨ وما بعدها.
(٣) الطبرى ٤/ ٤١٨.
(٤) الأغانى (طبعة دار الكتب) ١٢/ ١٩٨ وما بعدها و (طبعة الساسى) ١٧/ ١١١ وما بعدها، ٢٠/ ١٢١ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>