فقد كانت كثرة أهلها عثمانية الهوى، إنما الذى شغلها حقّا هو الخصومة القبلية وما طوى فيها من عصبيات، وقد كان بها كثيرون من الخوارج، غير أن زيادا أمعن فى الضرب على أيديهم. ونراه يختار من أهلها خمسة وعشرين ألفا ومن أهل الكوفة مثلهم، ويخرجهم بأسرهم إلى غزو خراسان (١)، حتى يتخلص من عناصر الشغب فى البلدتين.
وتبعه ابنه عبيد الله فى سياسته من ضرب القبائل بعضها ببعض والتشديد على الخوارج. ويتوفّى يزيد بن معاوية، وتضطرب البصرة، ويبايع كثيرون منها ابن الزبير، ويضطرّ عبيد الله أن يبرحها إلى دمشق. ويستولى مسعود بن عمرو سيد الأزد على قصر الإمارة والمسجد بالقوة، يشدّ من أزره قبيلته وبكر وعبد القيس ويصعد المنبر يخطب فى الناس، فتغضب تميم وتهجم عليه مع أحلافها من الأساورة، فتنزله من فوق المنبر وتقتله. وينشب القتال بين الأزد وتميم طلبا للثأر، ويتدخل الأحنف ويستطيع بحنكته أن يعيد السلام بين القبيلتين نظير دية كبيرة يؤديها للأزد هو وقبيلته، ولكن العداوة تستمر متأججة بين الفئتين طوال العصر.
وتتبع البصرة ابن الزبير، ويولّى عليها أخاه مصعبا، فيحارب المختار الثقفى فى الكوفة كما أسلفنا، ويقضى عليه قضاء مبرما، ويحارب الأزارقة، ويوجّه إليهم المهلب وغيره من القواد، ويوقعون بهم هزائم عنيفة. وتنشب ثورة صغيرة للزنج فيجهز عليها.
وتعود البصرة إلى الخضوع لبنى أمية عقب مقتل مصعب، وهى تغلى بالعصبيات القبلية. ووليها الحجاج الثقفى لأكثر من عشرين عاما، وفى عهده علا شأن قيس لتعصبه لها، وكان أكبر شخصية بين أبنائها، فجنحت إليه وجنح إليها، وخاصة أنه احتاج تأييدها له فى الثورات الصغيرة التى كانت تنشب من حوله مثل ثورة قبيلة عبد القيس بزعامة ابن الجارود وثورة الزنج. وكان طبيعيّا أن يكون بين أفراد حاشيته كثير منها. وأخذ تعصبه لها يقوى مع الزمن، فإذا هو يعزل أبناء المهلب عن خراسان ويولى عليها قتيبة