للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نزل معهم فريق كبير من جيوش يزدجرد خرج عليه وقاتله مع المسلمين، وهو المعروف باسم الأساورة. وقد دخل فى حلف تميم، ودخل أيضا فى حلفها نفر من الهنود هم المعروفون باسم الزّط والسيابجة والإندغار، ونزل أيضا بالبصرة جماعة من الأصبهانيين وأخرى من الحبش (١). وكان وقوع البصرة بالقرب من خليج العرب مهيئا دائما لأن ينزلها كثيرون من الإفريقيين والهنود، كما كان مهيئا لازدهار التجارة بها. وكانت الزراعة مزدهرة بها هى الأخرى، ولا سيما زراعة النخيل بفضل النهيرات الكثيرة التى اشتقّت من دجلة، وخاصة نهيرى الأبلّة ومعقل.

وأخذ نزلتها من العرب المجاهدين فى سبيل الله ومن انضم إليهم من الأساورة يثخنون بقيادة الأحنف بن قيس التميمى لعهد عمر بن الخطاب فى أرض فارس وتغلغلوا إلى خراسان، وتتابع الفرس على الصلح فيما بين نيسابور وطخارستان (٢). وولى البصرة لعهد عثمان عبد الله بن عامر فدفع الجيوش البصرية إلى سجستان وعامة خراسان (٣). ثم كانت فتنة عثمان وبيعة على، فانضم كثيرون من أهل البصرة إلى السيدة عائشة وطلحة والزبير، وانزوى الأحنف بقومه تميم عنهم (٤)، ونشبت موقعة الجمل، وأسلمت البصرة لعلى، يتقدّم صفوفها الأحنف، وحاربت معه بصفّين، وظلت موالية له إلى وفاته.

وتدخل البصرة فى العصر الأموى، ونراها تذعن لمعاوية وابنه يزيد، بينما تأخذ فى اجترار العصبيات القبلية القديمة، وكان مما هيّأ لذلك قيام حلفين كبيرين بها، هما حلف تميم وقيس وحلف الأزد وبكر وعبد القيس. وبذلك تكتلت قبائلها فى حلفين كبيرين، وأوغر صدور الحلف الأول كثرة المهاجرين من أزد عمان إلى البصرة. ونرى زياد بن أبيه يستغلّ هذه العصبيات فى توطيد سياسته بالبصرة، إذ أخذ يضرب القبائل بعضها ببعض.

ومعنى ذلك أن البصرة لم تشغل بخصومة شيعية على نحو ما شغلت الكوفة،


(١) انظر فى تخطيط البصرة ومن نزلها فتوح البلدان للبلاذرى ص ٣٤١ وما بعدها والطبرى ٤/ ٢٦٥، ٤٧٨، ٥٥٩ ونقائض جرير والفرزدق ٧٣٧.
(٢) طبرى ٣/ ١٨٩، ٢٢١ - ٢٤٤.
(٣) طبرى ٣/ ٣٥٨ وما بعدها.
(٤) طبرى ٣/ ٥١٠ - ٥١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>