القتال يستحرّ بينه وبين جند يوسف بن عمر حتى انفضّوا عنه إلا قليلا منهم ثبتوا معه حتى قتلوا عن آخرهم، وقتل زيد، وصلب بسوق الكناسة فى الكوفة.
وهرب ابنه يحيى إلى خراسان، وخرج بناحية الجوزجان، وانتهى فى سنة ١٢٥ إلى نفس المصير.
ولعل فى كل ما قدمنا ما يوضح كيف أن الكوفة كانت موثل الشيعة فى هذا العصر وأن سادتها الذين لم يعتنقوا التشيع كانوا يكنّون بغضا لبنى أمية وحكمهم. ولم يكن للخوارج شأن مذكور فى الكوفة، ومع ذلك نجد لهم فيها شاعرا مشهورا هو الطّرمّاح. وكان كثير من أهلها ينصرف عن هذه المعارضة السياسية إلى الزهد وتقوى الله، وكان بجوارهم من يقبلون على اللهو والخمر، أمثال الأقيشر الأسدى، وتكاثروا بأخرة من العصر على نحو ما هو معروف عن مطيع بن إياس وحلبته.
ولم تتورط الكوفة فى العصبيات القبلية، ولذلك كان حظها فى شعر الفخر والهجاء ضعيفا، وليس معنى ذلك أن الهجاء انحسر عنها، فقد أخرجت شاعرا من أكبر الهجائين فى العصر هو الحكم بن عبدل. وقد مضى كثير من شعرائها يعنى بمديح الخلفاء والولاة والقواد والأجواد، وكان منهم من يتعصب لبنى أمية تعصبا شديدا مثل عبد الله بن الزّبير الأسدى.
وإذا ولينا وجوهنا نحو البصرة وجدناها تخطّط حوالى سنة ست عشرة للهجرة معسكرا للجيوش المقاتلة فى الشرق على مقربة من مصب نهر دجلة بين إقليم البطائح الذى تكثر مستنقعاته وشاطئ خليج العرب، وقد روعى فيها كما روعى فى الكوفة أن تكون على حافة البادية، وسرعان ما توزعتها القبائل خططا، خمسا كبيرة: خطة لتميم وخطة لعبد القيس وخطة لأهل العالية وخطة لبكر وخطة للأزد، وكانت اليمن تلوذ بخطة الأزد بينما لاذت عشائر من أسد والنمر بن قاسط ببكر، ولاذ أهل هجر بخطة عبد القيس، ولاذت ضبة والرباب بخطة تميم. وقد أقاموا بجانبها سوقا كبيرة. هى سوق المربد، وقد تحولت فى هذا العصر إلى سوق أدبية يتناشد فيها الشعراء أشعارهم. ولكل شاعر حلقته.
ونزلها مع العرب كثير من الرقيق الفارسى الذى جلبوه من الحروب، كما