للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينكّل بمن كان هواهم مع بنى أمية، مما جعل شعراءهم خشية بطشه يمدحونه هو وإمامه، وكأنهم من شيعتهم على شاكلة قول عبد الله بن همّام السّلولى (١):

دعا يا لثارات الحسين فأقبلت ... كتائب من همدان بعد هزيع (٢)

وآب الهدى حقّا إلى مستقرّه ... بخير إياب آبه ورجوع

إلى الهاشمىّ المهتدى المهتدى به ... فنحن له من سامع ومطيع

ولما استجمع الأمر للمختار أعدّ جيشا بقيادة إبراهيم بن الأشتر لحرب أهل الشام، فالتقى فى سنة ٦٦ بجيش عليه عبيد الله بن زياد فى «خازر» بين الموصل وإربل، ودارت الدوائر على جيش عبيد الله وسقط فى المعركة. ويولّى ابن الزبير على البصرة أخاه مصعبا سنة ٦٧ وتنشب الحرب بينه وبين المختار، وتعلو كفة مصعب، فيقتل المختار وتدخل الكوفة فى طاعة ابن الزبير.

ونمضى بعد ذلك، فنجد الكوفة تشارك فى ثورة ابن الأشعث لعهد الحجاج وهى ليست ثورة شيعية، وإنما هى ثورة أهل السيادة والشرف فى الكوفة على بنى أمية، فقد كانت الكوفة مستقر البيوتات العربية (٣). وكان سادة هذه البيوتات وأشرافها يمتعضون من ظلم ولاة بنى أمية لهم وأخذهم بالعنف والقسوة وخاصة الحجاج، وأتيحت الظروف لواحد منهم هو ابن الأشعث أن يعلن الثورة على الحجاج بل على الظلم كله، ومن ثم دعا لنفسه بالخلافة، وانضم إليه كثير من الموالى والقرّاء. ونازله الحجاج فى وقائع كثيرة أهمها وقعة دير الجماجم وانتصر عليه، وهرب ابن الأشعث إلى فارس، وأوغل فى هروبه، حتى وصل إلى ملك الترك مستجيرا، وقتل أخيرا.

وما زال شيعة الكوفة ينتظرون الإمام العلوى الذى يخلّصهم من الأمويين وظلمهم، حتى ظهر بينهم زيد بن على بن الحسين، ودعا لنفسه بالخلافة منشئا نظرية شيعية جديدة نسبت إليه، هى نظرية الزيدية. وما زال به شيعته يستعدونه على بنى أمية ويدعونه للخروج، حتى خرج فى سنة ١٢١ وما كاد


(١) طبرى ٤/ ٥١٠.
(٢) الهزيع: نحو ثلث الليل.
(٣) من بيوت الشرف العريقة فى الكوفة بيت زرارة بن عدس التميمى وبيت الأشعث بن قيس الكندى وبيت حذيفة بن بدر الفزارى وبيت ذى الجدين الشيبانى.

<<  <  ج: ص:  >  >>