تغلب عليها، وهى من حيث الشعر والشاعرية تتخلّف عن العناصر المضرية.
وقد تصادف أن كان أكثر الفاتحين لمصر وبلاد المغرب والأندلس من العناصر اليمنية، وأخذت تقدم وراءهم قبائل منهم، تستقر فى تلك الديار، فكان طبيعيّا أن لا ينشط فيها الشعر، وأن يظل خامدا طوال العصر.
ولعل أهم هذه المراكز المتخلفة فى الشعر والشعراء مصر، وكانت متصلة بالحضارة اليونانية والرومانية قبل الفتح. ومدرسة الإسكندرية بها مشهورة وقد ظلت منارة للعرفان حتى عصر عمر بن عبد العزيز إذ هجرها أكثر أساتذتها إلى أنطاكية. والذى لا ريب فيه أنه ظلت بمصر بقايا كثيرة من الحضارة اليونانية والرومانية.
وقد أخذت تتنفس فى جو الثقافة الإسلامية العربية، وسرعان ما ظهرت بها مدرسة دينية على رأسها عبد الله بن عمرو بن العاص، وأخذت تنهض فى هذا المجال. غير أننا إذا رجعنا إلى الشعر بها وجدناه متخلفا، لما قلنا من غلبة العناصر اليمنية على العرب النازلين فيها. وحقّا نجد فيها أشعارا كانت تنظم من حين إلى حين فى الأحداث التاريخية واليومية، وهى مبثوثة فى كتاب الولاة والقضاة للكندى، ولكن قيمتها الشعرية ضعيفة وأكثر من ينظمونها يعدّون مجهولين لنا، وربما كان أهمهم ابن أبى زمزمة الذى عاصر عبد العزيز بن مروان فى ولايته على مصر (٦٥ - ٨٥ هـ) وأشعاره المنسوبة إليه لا ترقى إلى أفق شاعر متوسط من شعراء المراكز الأخرى فى الحجاز ونجد والعراق وخراسان.
ومن المحقق أن الشعر نشط بمصر فى ولاية عبد العزيز بن مروان، غير أنه فى جملته شعر وافد، أنشده بمصر شعراء الحجاز ونجد والعراق، الذين وفدوا على ابن مروان يمدحونه لأخذ نواله، وكان بحرا فياضا، وغيثا مدرارا، فقصده الشعراء من كل صوب أمثال كثيّر وابن قيس الرقيات ونصيب وجميل وأيمن بن خريم وعبد الله بن الحجاج الثعلبى. وبمجرد أن مات عبد العزيز خمد هذا النشاط الطارئ، إذ لم يعد يفد عليها الشعراء لأخذ الجوائز والعطايا الجزيلة.
فمصر لم يكن بها نشاط قوى للشعر فى هذا العصر، وإذا تركناها إلى الغرب انبسطت أمامنا بلاد المغرب إلى مشارف المحيط الأطلسى، وكان الشعر بها