للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه قال يوما: «إن كنتم رجبيّون فإنا رمضانيّون». وفيه يقول يحيى بن نوفل (١):

وألحن الناس كلّ الناس قاطبة ... وكان يولع بالتّشديق فى الخطب

ويروى الرواة أن عيسى بن عمر النحوى خاصم رجلا إلى بلال بن أبى بردة والى البصرة لخالد القسرى فجعل عيسى يتتبّع الإعراب وجعل الرجل ينظر إليه، فقال بلال للرجل: لأن يذهب بعض حقّ هذا أحبّ إليه من ترك الإعراب فلا تتشاغل به واقصد لحجّتك (٢)، وممن عرف فى خراسان باللحن عمرو بن مسلم أخو قتيبة بن مسلم (٣)، وكان سليمان بن عبد الملك فى دمشق يقول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث يفخّم اللحن كما يفخم نافع بن جبير الإعراب (٤).

وانتشار اللحن على هذه الشاكلة هو الذى دفع لظهور اللغويين والنحاة منذ القرن الأول للهجرة، فقد أخذت تتجرّد جماعة من العلماء وخاصة فى البصرة لتنقية العربية مما دخلها من فساد. وكان بعض هؤلاء العلماء يتعرض لفصحاء الشعراء ينقدهم نقدا نحويّا، حتى لو اضطرتهم إلى ذلك القافية، واشتهر فى هذا الجانب عبد الله بن أبى إسحق الحضرمى بمراجعاته للفرزدق فيما كان يحدثه أحيانا من بعض شاذات نحوية، وما زال يراجعه حتى قال فيه بيته المأثور:

فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكنّ عبد الله مولى مواليا

فتعرض له ابن أبى إسحق قائلا: كان يحسن أن تقول: مولى موال (٥) على أن الفرزدق لم يعرف بضعف فى الحسّ اللغوى لأنه نشأ فى البادية، إنما الذى عرف بذلك بعض الشعراء الذين نبتوا فى المدن مثل الطّرمّاح والكميت. ويسجّل الرواة على الطرماح أنه كان يستخدم الألفاظ البدوية الغريبة فى شعره استخداما غير دقيق (٦) وأنه كان يكلف بإدخال ألفاظ النبط الآراميين فى شعره (٧). ولم


(١) البيان والتبيين ٢/ ٢١٦.
(٢) البيان والتبيين ٢/ ٢١٨.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ٢١٩.
(٤) البيان والتبيين ٢/ ٢١٧.
(٥) ابن سلام ص ١٦ وما بعدها.
(٦) الموشح ص ٢٠٩ والأغانى (طبعة دار الكتب) ١٢/ ٣٦.
(٧) الموشح ص ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>