للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوم فتحت سيفك من بعيد ... أضعت وكلّ أمرك للضّياع

ويروى أن أباه زيادا أوفده على معاوية فكتب إليه مشيرا إلى لكنته:

«إن ابنك كما وصفت ولكن قوّم من لسانه». (١)

وليس بين أيدينا نصوص توضح ما حدث من ذلك فى مراكز الشعر الأخرى بالأقطار المفتوحة، ولكن لا بد أن ما كان يحدث فى العراق من هذه اللكنات كان يحدث فى المراكز القريبة والبعيدة ما يماثله. واقترن بهذه اللكنات لحن كثير بسبب ضعف السلائق من مثل قول زياد الأعجم:

إذا قلت قد أقبلت أدبرت ... كمن ليس غاد ولا رائح

وكان القياس أن يقول: «ليس غاديا ولا رائحا (٢)». ويظهر أن اللحن شاع على ألسنة بعض العرب أنفسهم، ومن ثم عنى خلفاء بنى أمية بتأديب أولادهم ويقال إن عبد الملك أهمل تأديب ابنه الوليد فجرى اللحن على لسانه، ومما يروون من لحنه أنه نطق يوما كلمة «لصّ» بضم اللام، وأنه قال لأبيه حين قتل أبو فديك الخارجى: «يا أمير المؤمنين قتل أبى فديك» وقال مرة:

«يا غلام ردّ الفرسان الصادّان عن الميدان (٣)».

واتسع هذا اللحن فى الكوفة والبصرة حتى لنرى الحجاج المعروف بفصاحته ولسنه ونشأته فى البادية يخاف على نفسه منه، فيسأل ابن يعمر: أتسمعنى ألحن؟ فقال: الأمير أفصح الناس، فقال الحجاج: عزمت عليك أتسمعنى ألحن؟ قال: حرفا، فقال الحجاج: أين؟ قال: فى القرآن، فقال: ذلك أشنع له، فما هو؟ قال ابن يعمر: تقول: {(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اِقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)} بقراءة أحب بالرفع ومكانها النصب.

وكأنه لما طال عليه الكلام نسى ما ابتدأ به. فقال الحجاج: لا حرم لا تسمع لى لحنا أبدا (٤). وكان خالد القسرى مع ما اشتهر به من فصاحته لحّانا، ويروى


(١) البيان والتبيين ٢/ ٢١٠.
(٢) الشعر والشعراء ١/ ٣٩٨.
(٣) البيان والتبيين ٢/ ٢٠٤ وما بعدها.
(٤) ابن سلام ص ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>