للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثواب والعقاب ونعيم الجنة وعذاب النار داعين دعوة واسعة إلى التقوى والزهد فى متاع الدنيا. وترامت من هذه المواعظ ومن القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأقوال الصحابة الأولين أشعة كثيرة نفذت إلى نفوس الشعراء وانعكست فى أشعارهم على اختلاف موضوعاتها.

وقد أشرنا فى غير هذا الموضع إلى ما أصاب الغزل بتأثير الإسلام من براءة وطهر وصفاء ونقاء عند شعراء نجد وبوادى الحجاز وعند فقهاء المدينة ومكة. مما هيأ لظهور الغزل العذرى بل لشيوعه، وكأنما أضفى الإسلام على المرأة وعلاقاتها بالرجل عند هؤلاء الشعراء ضربا من القدسية، أحاطها بهالة من الجلال والوقار، فإذا الشاعر لا يدنو منها إلا فى احتياط، بل إذا هو يرى دونها صعابا أى صعاب، فيتحول إلى نفسه يشكو ما أصابه من تباريح الحب وأوصابه شكوى تشفّ عن ألمه وعذابه فى حبه، وهى شكوى يضرع فيها أحيانا إلى ربه على شاكلة قول جميل (١):

إلى الله أشكو لا إلى الناس حبّها ... ولا بد من شكوى حبيب يروّع

ألا تتقين الله فيمن قتلته ... فأمسى إليكم خاشعا يتضرّع

فياربّ حبّبنى إليها وأعطنى ال‍ ... مودّة منها أنت تعطى وتمنع

ونرى الغزلين جميعا عذريين وغير عذريين يستلهمون فى غزلهم بعض الأفكار الإسلامية كفكرة العفو والغفران، يقول عمر بن أبى ربيعة (٢):

فديتك أطلقى حبلى وجودى ... فإن الله ذو عفو غفور

وقد مضى غير شاعر يردد فكرة الإثم فى القتل وعقاب الله لقاتل النفس المؤمنة، ونرى الفرزدق يفصّل هذه الفكرة تفصيلا فى إحدى مقطوعاته، فيقول (٣):

يا أخت ناجية بن سامة إننى ... أخشى عليك بنىّ إن طلبوا دمى

فإذا حلفت هناك أنك من دمى ... لبريئة فتحلّلى لا تأثمى (٤)

فلئن سفكت دما بغير جريرة ... لتخلّدنّ مع العذاب الألأم


(١) ديوان جميل تحقيق حسين نصار ص ١١٧.
(٢) ديوان عمر (نشر شوارتز) رقم ٤٠ بيت ٥.
(٣) ديوان الفرزدق (طبعة الصاوى) ٢/ ٧٧٨.
(٤) تتحلل من اليمين: تستثنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>