للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولئن حملت دمى عليك لتحملن ... ثقلا يكون عليك مثل يلملم (١)

وإذا كان الفرزدق توسّع فى فكرة القتل على هذا النحو، فأضاف إليها الاستثناء من اليمين وما ينتظر القاتل فى غير جناية من عذاب الآخرة فإن وضّاح اليمن يستغل فكرة الحلال والحرام ويشفعها بفتوى الترخص فى اللّمم، يقول (٢):

إذا قلت يوما نوّلينى تبسّمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم

فما نوّلت حتى تضرّعت عندها ... وأعلمتها ما رخّص الله فى اللّمم

وواضح أنه يقصد باللمم النظرة وما يماثلها. وكل ذلك جاء وضاحا ومن ذكرناهم بتأثير الإسلام الذى كان يخالط قلوبهم، فإذا ألفاظه وأفكاره نمتزج بمعانى الحب وألفاظه.

وإذا تحولنا إلى المديح وجدناه يتحول فى كثير من جوانبه إلى تصوير الفضيلة الدينية فى الممدوح، ووثّق هذا التصوير فى مديح الخلفاء والولاة أن الحكم والدين كانا مرتبطين ارتباطا لا تنفصم عراه، فمضى الشعراء يتحدثون عن تقواهم وأنهم يقيمون ميزان العدالة السماوية بين الرعية. ونشب صراع حاد بين الأمويين من جهة والخوارج والشيعة من جهة ثانية فى الحاكم الأعلى للمسلمين وما ينبغى أن يتحلّى به من صفات دينية. ولم يلبث شعراء بنى أمية أن نفذوا من ذلك إلى تمجيد الأمويين ورسم إطار دينى لكل منهم، وكان عمر بن عبد العزيز مثالا حقّا للحاكم الأموى التقى، فأكثر الشعراء من رسم إطار التقوى الذى يطيف به وبحكمه، على شاكلة قول كثيّر (٣):

وصدّقت بالفعل المقال مع الذى ... أتيت فأمسى راضيا كلّ مسلم

وقد لبست لبس الهلوك ثيابها ... تراءى لك الدنيا بكفّ ومعصم

وتومض أحيانا بعين مريضة ... وتبسم عن مثل الجمان المنظّم


(١) يلملم: جبل على مرحلتين من مكة.
(٢) أغانى ٦/ ٣٢٨.
(٣) ديوان كثير (طبعة الجزائر) ٢/ ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>