للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأعرضت عنها مشمئزّا كأنما ... سقتك مدوفا من سمام وعلقم (١)

تركت الذى يفنى وإن كان مونقا ... وآثرت ما يبقى برأى مصمّم

وأضررت بالفانى وشمّرت للذى ... أمامك فى يوم من الشر مظلم

وهو لا يصور فى عمر التقوى فحسب، بل يصور فيه أيضا الزهد والإعراض عن الدنيا وفتنتها ومتاعها الزائل الذى يغرّ الناس من حوله. وتتسع هذه الصورة فى مديح الشيعة لأئمتهم على نحو ما نجد فى هاشميات الكميت وفى شعر أيمن بن خريم إذ يقول فى بنى هاشم (٢):

نهاركم مكابدة وصوم ... وليلكم صلاة واقتراء

وليتم بالقران وبالتزكّى ... فأسرع فيكم ذاك البلاء

وعلى نحو ما تأثر المديح بالإسلام ومثاليته الروحية تأثر الهجاء، إذ أخذ الشعراء يهجون خصومهم بانحرافهم عن الدين، فأطالوا فى وصفهم بالفسوق والبغى والطغيان كقول جرير فى آل المهلب (٣):

آل المهلب فرّطوا فى دينهم ... وطغوا كما فعلت ثمود فباروا

ودائما يرمى شعراء الشيعة الأمويين بالظلم وانتهاك الحرمات وتعطيل أحكام الدين وابتداع ما لم يأت به كتاب ولا سنّة من مثل قول الكميت (٤):

لهم كلّ عام بدعة يحدثونها ... أزلّوا بها أتباعهم ثم أوحلوا

كما ابتدع الرهبان ما لم يجئ به ... كتاب ولا وحى من الله منزل

تحلّ دماء المسلمين لديهم ... ويحرم طلع النّخلة المتهدّل

واشتد لهب الهجاء-كما قدمنا فى غير هذا الموضع-بتأثير العصبيات، ولم يكد ينج منه خليفة ولا وال ولا شريف، بل حتى القرّاء كان يتعرض لهم الشعراء، وخاصة إذا رأوهم يداجون أولى الأمر، فكانوا يرمونهم بالنفاق وأنهم


(١) مدوفا: مزيجا.
(٢) أغانى (ساسى) ٢١/ ٦.
(٣) ديوان جرير (طبعة الصاوى) ص ٢١٩.
(٤) الهاشميات ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>