أقبل العرب يعبّون من هذا الجدول عبّا، وكأنما صفّوا عليه صفوفا، وسرعان ما ظهر من بينهم علماء كثيرون يتخصصون بمعرفة الشعر وروايته والأنساب وتشعباتها وأخبار الجاهلية وأيامها مثل عبيد بن شريّة راوية الأخبار اليمنية، ودغفل بن حنظلة النّسّابة والنّخّار بن أوس العذرى وزيد بن الكيّس النّمرى وشهاب بن مذعور وبنى الكّواء وغيرهم كثيرون. وفى أهل هذه الطبقة يقول مسكين الدارمى (١):
وحكّم دغفلا وارحل إليه ... ولا ترح المطىّ من الكلال
تعال إلى بنى الكّواء يقضوا ... بعلمهم بأنساب الرجال
هلمّ إلى ابن مذعور شهاب ... ينبّئ بالسّوافل والعوالى
وعند الكيّس النّمرىّ علم ... ولو أضحى بمنخرق الشّمال
وأما الجدول الإسلامى فيبدو فى القرآن الكريم وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته وغزواته. ثم فى الفتوح الإسلامية وأحداثها وحروب على وخصومه.
وقد أخذ هذا الجدول يتشعب شعبتين كبيرتين: شعبة تاريخية تعنى بتاريخ الإسلام على نحو ما يصور لنا ذلك أبان بن عثمان بن عفان وعروة بن الزبير فى اهتمامهما بمغازى الرسول، وكان هناك من عنوا بجمع أخبار أهل الكتب السماوية مثل وهب بن منبّه. وشعبة دينية تعنى بقراءات القرآن وبالحديث النبوى وما يتصل بهما من تشريع وفقه، وقد ألّف أصحاب هذه الشعبة فى كل بلد إسلامى مدرسة كبيرة يأخذ فيها الخلف عن السلف، واشتهر من بينهم بمكة تلاميذ ابن عباس وعلى رأسهم عطاء وعكرمة وبالمدينة سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ومولاه نافع وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعروة بن أذينة والزّهرى وباليمن طاووس وبالكوفة تلاميذ ابن مسعود وعلى رأسهم الشّعبى وسعيد بن جبير وشريح بن الحارث القاضى وبالبصرة ابن سيرين والحسن البصرى وقتادة وإياس بن معاوية ومالك بن دينار وبخراسان الضحاك بن مزاحم وبالشام شهر بن حوشب ومكحول والأوزاعى وبمصر الصابحى ويزيد بن عبد الله البربى.